لست متأكدا من جزئية أن معدل التضخم سيشهد تراجعا الى النسب التي تتوقعها الحكومة بما يقارب 7% للعام المقبل بعد أن وصل الى 15.5% العام الحالي، فحتى وقت قريب، فشلت كل توقعات الحكومة في التكهن بحقيقة التضخم وملامح الغلاء التي ضربت البلاد في غير سلعة وخدمة وما تزال، وكانت المبررات تعزى وقتها للارتفاعات الخيالية لاسعار النفط عالميا، اما الان، فان الهبوط الدراماتيكي لسعر النفط يؤشر لدى الرسميين بأن التضخم سيتراجع الى حدود غير مسبوقة وهو ما يصعب التكهن به لا سيما أن معظم اسعار السلع والخدمات التي تحويها سلة التضخم لم تنخفض ولا يبدو انها ستنخفض في الشهور المقبلة.
الحكومة تستند فيما سبق الى تراجع اسعار النفط الخام بأكثر من 50% خلال الشهور الثلاثة الماضية كما ترصد انخفاضا في اسعار القمح والعدس والشاي والسكر والارز وكذلك الحديد والاسمنت وغيرها من مواد البناء والانشاءات، وتبعا لان فاتورة النفط تشكل 18% من اجمالي مستوردات المملكة، فان هذه النسبة وما لحقها وسيلحقها من تراجع لاسعار السلع الاساسية ستسهم في تخفيض فاتورة المستوردات وتحسين العجز في الميزان التجاري.
لكن الحكومة ومعها توقعات تغرق في التفاؤل تعترف بوجود اثر سلبي للازمة المالية العالمية، وتتناسى الوجه البشع للركود الذي ستمليه استحقاقات ضعف الطلب العالمي وتحقق الركود منذ فترة في دول عديدة، والتراجع الذي سيمنى به قطاع العقارات في الداخل والخارج وكذلك تراجع حوالات العاملين الاردنيين في الخارج خاصة العاملين في دول الخليج العربي، والاثر السلبي الذي سيلحق بقطاع التصدير لا سيما صادرات الالبسة، وكذلك الركود الذي سيلقي بظلاله على قطاع السياحة.
ادارة البنك المركزي اكدت وتؤكد ان لا ازمة سيولة في البلاد، وان ضخ اموال في السوق في الوقت الحالي ليس مبررا وان الخسارات التي يشهدها سوق رأس المال تعود الى ضعف الثقة وتعمق حالة عدم اليقين التي تسيطر على سلوك المستثمرين والمتعاملين، واعتقد ان في ذلك مجافاة للحقيقة والواقع، وقبل الموقف الاخير لمحافظ البنك المركزي الذي اعلنه امام اللجنة المالية والاقتصادية للبرلمان، فان الدراسة الحكومية التي كشفت اثر الازمة العالمية على الاقتصاد اقترحت احتواء التضخم والسيطرة عليه من خلال اتباع سياسة نقدية اكثر تشددا، فيما الحل يكمن في خفض الفوائد لتحفيز الاسواق والقطاعات الانتاجية وتجاوز حالة التباطؤ الحالية او حالة الركود التي قد تتحقق في المستقبل القريب.
ثمة مفارقة وردت على لسان مسؤولين حكوميين- في لقاء قبل يومين مع اللجنة المالية والاقتصادية لمجلس النواب- ترصد تباطؤا لا يعترف به رجال الصف الاول في الفريق الاقتصادي الحكومي، وتتركز هذه المفارقة في أن قدرات التحصيل الحكومية تعاني حاليا. وما معنى ان يتطرق مدير عام الجمارك الى حجم قضايا التهريب وفروقات التقييم لدى المحاكم المختصة البالغ 74 مليون دينار مؤكدا في ذات الوقت انه لم يتحصل من هذا المبلغ سوى 200 الف دينار فقط.
وليس واقع الديون لضريبة الدخل والمبيعات افضل حالا، اذ جرى تقديرها بمبلغ 297 مليون دينار، وهي التي يجري العمل على تحصيلها وفق تسويات او من خلال القضاء.
وثمة تسويات في التحصيل بالنسبة للمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي التي يبلغ حجم مديونيتها حتى منتصف العام الحالي 38 مليون دينار منها 4.5 مليون دينار على القطاع العام "مديونيات على الجامعات والبلديات وغيرها"، فيما باقي المديونية على القطاع الخاص وبمبلغ 33.5 مليون دينار نصفها مديونيات على منشآت مغلقة تتابع كوادر "الضمان" حاليا اجراءات تصفيتها بغية تسديد المستحقات عليها.
كل الوقائع الآنفة، لا تنفي وجود نمو اقتصادي، لكنها تشير الى ضعف في قدرات التسديد وهو ما يؤشر على ضعف مستويات النمو والايراد في بعض القطاعات الانتاجية، وسط توقعات بتراجع قدرات التسديد اكثر فاكثر اذا ما تراجعت ايرادات وعوائد الانشطة الاقتصادية المختلفة وتفشى الركود الاقتصادي في النصف الاول من العام المقبل، وهو ما لا يتقارب مع الصورة الحالمة التي ترسمها الحكومة لصورة الاقتصاد في المديين القريب والمتوسط.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   حسن احمد الشوبكي