تحدث وزير المالية حمد الكساسبة في خطاب الموازنة للعام 2008 عن تشوه في آلية دعم الفقراء، ووصف الآلية الموجهة لدعم السلع بغير العادلة، كما اعتبرها تهدد أركان الاستقرار النقدي والمالي في البلاد.
 وألمح الوزير نفسه في خطاب الموازنة للعام 2009 عن النفقات المتنامية وشبكة الأمان الاجتماعي التي تكرر نسقها ومضمونها من دون تغييرات تذكر، ونسي أن يقدم حلولا وخططا أو استراتيجيات حقيقية لمعالجة البطالة رغم ان منظومة الامان الاجتماعي كلفت الدولة العام الماضي ما يقارب 1.2 بليون دينار وبما يشكل خمس الموازنة من دون تحقيق تغيير جذري في مشاكل بنيوية تمس الاقتصاد في الصميم.
إذن موازنة تقليدية، ينمو فيها الإنفاق، وتتضمن توجهات وامتدادا للبرنامج الاقتصادي والاجتماعي الذي قدمته الحكومة السابقة للبرلمان، وفي ذلك تعزيز لنمطية الأداء الحكومي من الزاوية الاقتصادية وفق جراحة تجميلية سرعان ما تذوي لتظهر بعدها الندوب والبثور، وتغاضت عن أزمات ومشاكل تصيب الاقتصاد في الجوهر، ليس اقلها ملفات الفقر والبطالة وتشوه واقع قوة العمل، انه ذات الحديث الذي يكرره مسؤولون اقتصاديون وينصرف الى التفاخر بتحقيق نمو اقتصادي بنسبة 6 % ويتجاهل واقع الفقر والحرمان والبطالة.
يعلم الوزير وتعلم الحكومة أن قوة العمل الأردنية تبلغ 3 ملايين مواطن – وهم الفئة العمرية بين سن 16 عاما إلى 60 عاما -، غير أن ثلث هذه القوة فقط (مليون مواطن) هو الذي يعمل بينما ينتظر الثلثان الإعالة ممن يعمل، وتنطوي هذه النسبة المقلقة على إغراق في الاتكال على الآخرين، وفشل في الخطط الحكومية واستهتار في القطاع الخاص قاعدته التمييز ضد عمل المرأة، وتعطيل مقصود لثلثي القوى العاملة في البلاد.
 لكن علم الحكومة ومعها القطاع الخاص بهذه المؤشرات الخطيرة لا يقود إلى انتهاج سياسة جديدة او خطط لمواجهة هذا التشوه، بل على العكس تستمر ذات السياقات الحكومية في التعاطي الفزعوي مع الاقتصاد ومشاكله الرئيسة من فقر وبطالة وتلكؤ عن العمل بفعل الأفراد حينا وبفعل المؤسسات وعلى رأسها الحكومات حينا آخر.
وبمقارنة مع جيراننا، فإن أكثر من 55 % من القوى العالمة في مصر تعمل، والنسبة أعلى بالنسبة لسورية وتقارب 65 %، وترتفع النسبة كلما توفرت خطط لإدارة قوة العمل، فهي في دول شرق اسيا تزيد على 85 %، وترتفع فوق ذلك في الدول المتقدمة صناعيا وتكنولوجيا وتلك التي يوجد فيها من يفكر ويخطط بروح اقتصادية صادقة ومخلصة، بعيدا عن التجريب والعشوائية والإنفاق غير المجدي. 
وعن أي تنمية يتحدث رجال الاقتصاد والسياسة في بلادنا ؟! إذا كانت هذه التنمية والتطور العمراني المرافق لها سيتحققان على أيدي قوة العمل الوافدة، فيما تستمر ذات النسب المزعجة تطالعنا بان مشاركة المرأة في العمل لدى القطاع الخاص لا تتجاوز 12 % بينما تذهب النسبة المتبقية ( 88 % ) لصالح الرجل، والأمر ليس أفضل بكثير في القطاع العام، فنسبة النساء والفتيات العاملات في القطاع العام تقارب 37 % وتتجه النسبة المتبقية إلى الرجال.
النسب الرسمية السابقة تشير إلى وجود اتكالية داخل الأسرة الأردنية، احد أفراد الأسرة يعمل ويكد بينما يجلس الباقي ينتظر جهد غيره، وهذه الصورة النمطية تكون مبررة في بعض الظروف لكنها باتت سمة لصورة وإنتاجية العائلة الأردنية.
وفي المقابل، فإن هذين المليونين المعطلين يضمان بنسبة لا تقل عن 60 % فتيات وسيدات يخرجن من صروح علمية وأنفقت أسرهن أموالا على تعليمهن لكنهن ارتضين أو اجبرن على الصمت والخنوع لإرادة المجهول وعدم الإنتاج والارتكان إلى الضعف والفاقة وانتظار الأعطيات.
تحت القبة، تصدع أصوات كثيرة حاليا لمناقشة موازنة الدولة وشكل اقتصادنا في المرحلة المقبلة، وأزعم أن الخطابة والشعر والنثر من قبل النواب لا تقدم علاجا للحالة المرضية التي يعاني تحتها الاقتصاد منذ زمن، كما أن اللمسات التجميلية التي تنفذها الحكومة هنا وهناك لا تسهم في تغيير الحال.
مطلوب مناقشة استراتيجيات وخطط واضحة لإزالة التشوهات الاقتصادية المزمنة.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   حسن احمد الشوبكي