تحليل اقتصادي
ثلاث حالات طارئة تم نقلها إلى المستشفيات في أعقاب جلسة التداول ببورصة عمان الاثنين الماضي ، ولا يحتاج المرء الى قدرات استثنائية ليقرأ حجم الخسارات في وجوه المتعاملين وتفشي الاكتئاب في اوساطهم وهم يرقبون ضياعا يمس اسرهم ومستقبلهم وامنهم الاقتصادي.
وبالقرب من اسباب تلك التداعيات في الوضع الصحي لكثير من المتضررين من تراجع السوق المالية، يرى متخصصون ومحللون ماليون ان مسلسل الهبوط يتطلب دورا حكوميا ومؤسسيا غير ذلك الذي انتهت اليه ادارة البنك المركزي مع ادارات البنوك أول من أمس، وتمخض عنه خفض نسبة الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية، وخفض نسبة الاحتياطي الالزامي بنسبة من 10% الى 9 %.
المؤشر المرجح بالقيمة السوقية فقد منذ بداية العام وحتى نهاية تعاملات الاثنين الماضي 25.7 % من قيمته ، كما تراجعت القيمة السوقية للاسهم بنسبة 21.5 % للفترة ذاتها وبلغت أول من أمس 23 بليون دينار.
ويصف مراقبون القرار الذي انتهى اليه البنك المركزي بأنه " خطوة متأخرة وغير كافية وتؤشر على تشدد السياسة النقدية وعدم اعترافها بوجود ازمة سيولة في البلاد " في الوقت الذي تتضح فيه ملامح هذه الازمة من خلال تشدد البنوك في الاقراض على صعيدي الافراد والشركات اضافة الى تقلص القدرة على الشراء في اوساط المتعاملين بالاسهم وتراجع قبول ضماناتهم ذات الصلة بالعقار وملكيات الاسهم ، وسط انتقادات للبنك المركزي تؤشر على التفات " المركزي " الى مخاوف التضخم وتجاهله لمخاوف الكساد ذات الاثر الاكثر عمقا .
ويذهب مسؤول اقتصادي طلب عدم نشر اسمه الى ضرورة اللجوء الى ادوات جديدة لتجاوز ازمة السيولة، منوها الى ان احداث تغيير في نسق عمل السوق المالية " ليس امرا مهنيا وغير مجد " فالقواعد التي تعمل بموجبها السوق قانونية ومهنية وليست سببا في تراجع الاسهم مستندا الى ان الازمة تخص البنوك وسيولتها وتنعكس على التعاملات .
ويرى المسؤول ذاته ان خفض الفائدة نصف نقطة وخفض نسبة الاحتياطي الالزامي الى 9 % " جاء متأخرا ، وهو قرار غير كاف " مطالبا البنك المركزي باتخاذ اجراءات أكثر فاعلية لتحريك السوق واتاحة سيولة اضافية للبنوك فيه بعيدا عن مخاوف التضخم ومحذرا في الوقت نفسه من اثار محتملة لكساد قد يطال كل شيء في الاسابيع والشهور المقبلة .
ومن الادوات التي تساعد في حفز سيولة البنوك بحسب المسؤول الاقتصادي " اعادة تدوير الفوائد على الديون ، والغاء الفوائد على الايداع لتشجيع المستثمرين المحليين والخارجيين ، وشراء الشركات والبنوك لاسهمها – اسهم الخزينة – وتنفيذ تخفيضات بنسب أكبر على الفوائد والاحتياطيات الالزامية اضافة الى تنفيذ قرارات تساعد في مرونة منح التسهيلات لا التشدد فيها ".
وفي ذات السياق ، ثمة من يرى ان ما تتعرض له السوق المالية يمس بالامن الاجتماعي والاقتصادي للدولة بمجملها ، ويقول رئيس مجلس ادارة بيت الاستثمار للخدمات المالية الدكتور هاشم الصباغ " ان خطوة المركزي غير كافية ويجب منح البنوك سيولة اكبر " وأشار الى تأخر الخطوة الحكومية فيما طالب الحكومة بضرورة اتخاذ إجراءات سريعة لزيادة ضخ السيولة وعدم الارتهان الى مخاوف التضخم ، ومعالجة اشكالية الحد من الاقراض وتشجيع المستثمرين على الشراء وتوجيه المتعاملين الى التقليل من طلبات البيع ، مؤكدا " ان السوق بحاجة الى تهدئة وطمأنينة وخلق ثقة من جديد ، وان بقاء الحكومة
والمؤسسات الكبيرة في موقع المتفرج على ما يحدث لن يقود الى مزيد من الخسارات ".
ويطالب الدكتور الصباغ باتخاذ البنك المركزي إجراءات اكثر مرونة وتجاوز تشدده التقليدي لأن التشدد – برأيه – في الوقت الراهن ليس مجديا ، ويشير الى ان السعودية نفذت تخفيضات على الفائدة مؤخرا بنسبة 1 % وقلصت نسبة الاحتياطي الالزامي الى 7 % بتخفيضها من مستوى 10 % ، كما يطالب من الوحدة الاستثمارية بالضمان الاجتماعي التدخل للشراء في بنوك وشركات ذات اداء عال لحفز باقي المستثمرين الكبار والصغار على الشراء ، منتقدا صمت الحكومة وباقي المؤسسات ذات العلاقة بالسوق المالية في ظل تراجع القيمة السوقية لنحو ثمانين شركة مساهمة دون قيمتها الاسمية .
وحتى يتحرك لاعبون اساسيون في السوق وتدفعهم الى الامام حكومة مرنة لا متشددة في سياستها النقدية ، فان الخسارات التي يتعرض لها المتعاملون ستتزايد وفق لتوقعات المراقبين وان السيولة ستنحسر ، ليكن بذلك عام 2008 عاما للضربات القاصمة ان على صعيد الخسائر التي خلفتها ازمة مكاتب البورصات العالمية او على صعيد خسائر البورصة الحالية.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد حسن احمد الشوبكي