تتأخر دولة متطورة مثل بولندا سنوات حتى تنضم إلى الاتحاد الأوروبي، لكنها انضمت الى الاتحاد في صيف العام 2004 وسبب التأخير كان قياس مدى التزامها بحقوق المستهلكين، وفي هذه الأجواء ابرمت القارة الأوروبية قوانين توسع مدى حماية المستهلك وتشدد الرقابة على السلع والبضائع ضمن ذراعي الجودة والسعر، وكثيرة هي الأخبار التي يتناقلها الإعلام الغربي يوميا عن قرارات المحاكم التي تقضي بتغريم محلات وماركات تجارية وتسويقية كبرى بملايين الدولارات بسبب عدم التزامها بقوانين حقوق المستهلك.
هذا في الغرب البعيد، اما لدينا فالموقف مغاير، اذ يتحرك الاتحاد العربي لحقوق المستهلك على نحو سلحفائي صوب تحقيق خطوات لصالح الفئة الأكثر أهمية في أي اقتصاد حيوي، وهنالك 13 دولة عربية في هذا الاتحاد منها 10 دول لديها قوانين لحماية المستهلك لكنها لا تطبَق وتبقى تشريعات مجمدة بسبب عدم وجود مرجعية حكومية والاكتفاء بمديريات شكلية لحماية المستهلك في وزارات الصناعة والتجارة والاقتصاد، وفي الاردن ما يزال قانون حماية المستهلك في ديوان التشريع منذ سنوات ولا يبدو انه سيرى النور قريبا.
الدعم الحكومي العربي لجمعيات حقوق المستهلكين هزيل، والثقافة الرسمية وغير الرسمية عموما بهذا الشأن ضحلة، ومنذ العام 1991بدأت الحكومة بدعم جمعية حماية المستهلك الاردنية بمبلغ 15 الف دينار، وتوقف هذا الدعم من قبل حكومة الروابدة، ثم عاد في حكومة ابوالراغب، ثم ارتفع بمبلغ ضئيل في حكومة الفايز واصبح 20 الف دينار، ليتراجع الدعم بعد ذلك في عهد حكومة البخيت ويصبح 10 الاف دينار، ويستمر هكذا في حكومة الذهبي بمبلغ 10 الاف دينار سنويا، فيما لا تكفي العشرة الاف للقيام بحملة توعية لمدة شهر واحد في اصغر قرية اردنية.
ما سبق مناف للعقل والمنطق، وحقوق المستهلكين من المفترض ان تكون اولوية لاي حكومة في العالم، ودعم مؤسسات المجتمع المدني ذات الصلة بهذا الملف يجب ان يكون وسيلة للدفاع عن المستهلكين وضمان مصالحهم في دول لم تنضج فيها بعد جماعات المصالح، لا سيما وان شكل الاستهلاك يتطور في العالم ويتعقد بشكل كبير وتترافق معه موجات الغلاء التي تأتي على الفقراء وصغار المستهلكين.
وفي تشخيص الحالة الراهنة محليا، لا بد من الاعتراف بأن وزارات الصناعة والتجارة وكوادرها على اختلاف المسميات الوظيفية انصاعت منذ وقت ليس بقريب لارادة التجار والصناعيين وتجاهلت بشكل واضح ارادة المستهلك ، فلا نرى قرارات حكومية شبيهة بتلك التي تتخذها الدول المتقدمة لضمان حق المستهلك ولا نلحظ في السياق ذاته محاسبة او رقابة فاعلة، كما ان المادة السابعة من قانون وزراة الصناعة والتجارة لم تفعّل حيال تحديد اسعار السلع الاساسية لمنع التلاعب بها وتهديد الامن الغذائي لاكثر من مليوني فقير في المملكة. ويبدو ان الاقتراب من هذه المادة اشبه بالدخول الى حقل من الالغام.
فشل وزارات الصناعة والتجارة عربيا في الدفاع عن حقوق المستهلكين، يجري القفز فوقه حاليا عن طريق الاستعاضة بوزارات اخرى تحمل اسم "الاقتصاد الوطني" وتعنى بهذا الامر، بيد ان التجريب في هذا المجال – لا سيما في الاردن والامارات واليمن – قد يعيدنا الى المربع الاول، ويبقى التغيير في الشكل من دون ان يمس المضمون، وكانت وزراة الصناعة والتجارة الاردنية حلت محل وزراة الاقتصاد الوطني قبل سبع وثلاثين عاما، وليس المهم الاسم بل قوة الفعل وتوفير الحماية للمستهلكين.
في التعديل الوزاري المرتقب، ثمة وزارة للاقتصاد الوطني المأمول ان لا تكون شكلية، والمأمول ايضا ان يتم تشكيل جهاز حكومي كبير لحماية المستهلك على غرار الاجهزة التي اسستها دول جنوب شرق اسيا وحققت بذلك مكاسب لصالح مواطنيها فضلا عن تحررها من قيود التجار وتغولهم ونفوذهم.
الاقتصاد المتين لا يقوى الا بالمؤسسات والقوانين التي تحمي الناس، اما ان تكون الساحة مستباحة للتجار تحت مسمع ومرأى الحكومات، فهذا ما لا يقبله العقل او المنطق الاقتصادي.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد حسن احمد الشوبكي