يتعرض البنك المركزي الفيدرالي الأميركي هذه الأيام لهجوم عنيف شنه عليه بعض السياسيين وأعضاء السلطة التشريعية والمحللون الاقتصاديون، بعد أن أعلنت البنوك الأميركية ومؤسسات (وول ستريت) المالية عن أرباحها نصف السنوية وتبين أن جزءا كبيرا منها يعود لتعاملاتها مع البنك المركزي الأميركي، لدرجة وجه البعض منهم اتهامه على شكل تساؤل "لصالح من يعمل البنك المركزي الأميركي؟ لصالح أميركا ومواطنيها أم لصالح مؤسسات المال التي خذلت الجميع؟".
ووجه المنتقدون سهامهم إلى محافظ البنك المركزي الأميركي لكثرة ظهوره الإعلامي سواء كان أمام جلسات الاستماع أو البرامج المالية والاقتصادية على شاشات التلفزة، وتساءلوا أيضا عما يجري مما يجعل "المحافظ "نجم التلفزيونات والبرامج الحوارية، لدرجة اتهمه البعض بأنه يريد أن يضمن إعادة تعيينه في المنصب حيث اقترب عقده فيه من نهايته.
ورد المؤيدون للبنك المركزي عندما أعلنوا أن سياساته لا تهدف إلى تنفيع أحد، بل تهدف لخدمة أهدافه التي لا تخرج عن الأهداف الاقتصادية والنقدية التي يرى فيها عونا للمواطن الأميركي ووسيلة للخروج من أزمته. وتوسعوا في الدفاع بالقول: بأنه لو لم يظهر المحافظ في الإعلام لكان بالتأكيد سيتلقى اللوم على عدم ظهوره وتوضيحه للشعب ماذا يجري وما يتخذه من إجراءات علاجية، ولكانت سهام الاتهام قد وجهت إليه لأنه يحيط عمل هذه المؤسسة بالسرية ويتصرف بعدم شفافية تاركا القريب والبعيد يحلل ويتوقع ويجتهد بينما القليل يعرف عن إجراءته.
وللحق، فإن كلا الطرفين له حجة قوية يتمسك بها، وله منطق واضح في طرح أفكاره، خاصة عندما تصبح السياسة النقدية موضع تساؤل، في ظل معاناة يشكو منها الجميع، بطالة وركودا وضغوطا تجارية وحياتية وتآكل للثروات والمدخرات، فيصبح الجميع في أزمة تدفعهم إلى البحث عن السبب وتوجيه الاتهام لمرشحين قد يكون من السهل اتهامهم وتحميلهم المسؤولية.
فقد عاشت البنوك المركزية مراحل متعددة من عمرها في العالم، وكانت الصيغة العالمية لأدبياتها والتي تم التفاهم عليها، إقلال هذه المؤسسة ومحافظها وكبار مسؤوليها من الكلام والتصريح.
أردنيا، أذكر أن البنك المركزي الأردني كان يعيش في عالم مجهول للكثير من المواطنين الأردنيين، لدرجة أنه كان يستدل على مبناه بالإشارة إلى قربه من المحكمة أو في الطريق المؤدي إلى وسط البلد أو في الطريق إلى البنك العربي، وكان مركزه الرئيسي في وسط البلد كما هو الآن. واستمر هذا الوضع حتى أزمة عام 1989 عندما وجد كل مواطن تداعياتها تصل جيبه وتنعكس على الدينار الذي يحمله في جيبه الذي انهارت قوته الشرائية، وبدأ المواطن بالتساؤل: ما المشكلة وما سببها؟ ليسمع الجواب بقبول استقالات ( إقالات) كثير من المسؤولين وعلى رأسهم محافظ البنك المركزي الأردني ونائبه في ذلك الوقت. واستمر التساؤل: وما علاقة البنك المركزي بهذه الأزمة؟ ليسمع الجواب المختصر بأن احتياطيات البنك المركزي من النقد الأجنبي قد نفدت ولم يعد باستطاعته الدفاع عن استقرار الدينار وسعر صرفه مقابل تلك العملات.
ومن هنا بدأ المواطن الأردني يتعلم ثقافة جديدة، عبر أسئلة كثيرة بدأ يطرحها ويطلب الإجابات عليها، وهي على التوازي مشابهة للندوات والمحاضرات والتحليلات التي رأينا المواطن يواظب على حضورها ومتابعتها في الأزمة الاقتصادية التي يعيشها العالم حتى الآن.
بالمناسبة، ألا يرى البنك المركزي الأردني ضرورة لتخفيض سعر الفائدة على نافذته التي تودع فيها البنوك فوائضها لمدة ليلة واحدة؟ فالسعر الحالي يحقق للبنوك أرباحا ضخمة، والأهم من ذلك يجعلها تحجم عن الإقراض، وهنا بيت القصيد. 

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  زيان زوانه   جريدة الغد