ليست قاتمة بل حقيقية، تلك الصورة التي رسمتها وزيرة السياحة مها الخطيب، في تصريحاتها امس. وبعيدا عن اتهام بعض الاطراف بالتقصير ورفع التهمة عن آخرين يمكن القول ان مشهد الاقتصاد للعام الحالي سينطوي على هنات كثيرة، بعض منها يظهر جليا في واقع السياحة والجذب السياحي.
جرأة الوزيرة تعبر عن شفافية، لكن المأمول ان لا يقف المسؤولون الرسميون في قطاع السياحة او غيره من قطاعات الاقتصاد عند التشخيص الذي يعلمه القاصي والداني، بل ان يتعدى ذلك الى وضع الخطط والبرامج وفرض الأولويات وإعداد الاستراتيجيات الكفيلة لا سيما أن الاردن واحد من عدد كبير من البلدان التي طالتها سهام الأزمة الاقتصادية العالمية والتي تظهر بصورة أكثر تأثيرا خلال العام الحالي.
من الذي قرر ان تكون ميزانية الترويج السياحي للبلاد عبر ذراع هيئة تنشيط السياحة من دون 9 ملايين دينار؟، ولماذا تقف موازنة وزارة السياحة – التي تذهب نصفها رواتب واجورا – عند حاجز 14 مليون دينار؟، في الوقت الذي يحتل فيه قطاع السياحة نحو 15 %، من الناتج المحلي الاجمالي على نحو مباشر وغير مباشر، والاهم من هذا وذاك ان بلادنا تكتنز نحو ربع مليون موقع اثري وفيها تشابك حضاري عز نظيره لدى دول عديدة في المنطقة وحتى في العالم، فهل يعلم من وضع قيوده على هذه الموازنة الهامشية بثراء بلادنا السياحي؟
لم اعلم ما الجدوى من انضمام البتراء الى قائمة سور الصين وتمثال المسيح في البرازيل وقلعة "ماشو بيشو" في البيرو ومدينة شيشن-ايتزا في المكسيك ومدرج الكولسيوم في روما ومعبد تاج محل في الهند، ففي الوقت الذي تدر فيها تلك الكنوز والاعاجيب عشرات البلايين على اقتصادات الدول الموجودة فيها تبدوالصورة معكوسة في البتراء؛ فايرادات المدينة الوردية تراجعت خلال الشهرين الاولين من العام الحالي وبلغت 1.4 مليون دينار وانخفضت بنسبة 30 % مقارنة مع ذات الفترة من العام المنصرم، ولا يقف الامر عند ذلك، فالبنية التحتية التي قدمت للبتراء بعد ان أمست أعجوبة تكاد لا تذكر، ويشترك في التقصير القطاعان العام والخاص على حد سواء.
ذلك التقصير جاء نتاجا لفشل التخطيط وتخبط السياسات وعدم وضوح الرؤية لدى كل من الحكومة والقطاع الخاص المحلي، فالحكومات التي يرتفع حجم الانفاق العام فيها الى 55 % من الناتج المحلي الاجمالي لم تجد وقتا او مبررا لتخصيص جزء مهم من تلك النفقات لصالح انشاء بنية تحتية منافسة في المناطق السياحية لمواجهة جذب سياحي استثنائي تحصل عليه شرم الشيخ وايلات ومناطق اقليمية اخرى.
أما القطاع الخاص، فمستمر في مسلسل المطلبية والتهرب من الضريبة والبعد كل البعد عن أي دراسة او تحليل يؤشر على وجود ما يدعو للاستثمار في هذه المنطقة او تلك من مناطق الكنوز الاثرية الأردنية، حتى انتهت أرقامنا الى أعداد ضئيلة من الغرف الفندقية المؤهلة يقابلها بنية تحتية سياحية تراكمت عبر الصدف والظروف لا الخطط والافكار.
يطل علينا وزير يعترف بحجم الخسارات التي سيتعرض لها الاقتصاد في 2009 ويختبئ آخر خلف تحليلات "متفائلة " تستبعد وجود أثر للازمة العالمية علينا ويصل الأمر الى نفي عودة المغتربين الاردنيين من دول خليجية لا سيما من إمارتي دبي والشارقة، وبين الاثنين تذوي انتاجية القطاعات الاقتصادية لصالح الفوضى والترهل وعدم التخطيط.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد حسن احمد الشوبكي