جرى حديث بيني وبين صديقي المغترب الذي عاد من هولندا الى البلاد في إجازة تستمر لبضعة اسابيع، قوام الحديث – بعد غياب ثماني سنوات - سؤال عن تغيير الاوضاع والمشهد الحياتي بما ذلك تفاصيل الاقتصاد والمال واحوال الناس وسلحفائية هذا التغيير، ومدى احساس الناس به.
بدا صديقي متشائما، وقال لي إن الحزن مرسوم على وجوه كثيرين ويمكن رصد ملامح الحزن تلك بمجرد مغادرة الطائرة، فحدثته عن البنية التحتية وعن تغير مسار الاحوال وعن الاستثمارات الاجنبية وعن علاقة حكوماتنا المتعاقبة "المتينة" بالولايات المتحدة، وعن الخصخصة وبيع الموجودات والتحول من الاستدانة الخارجية الى الداخلية وعن العجز وغيرها وعن العمران أيضا، بوصفه مهندسا ويملك شركة في امستردام.
لكن المغترب البعيد لم يقتنع بديباجة الحديث، وانتهى الى أن الشكل والمضمون في بلادنا يخضعان لتجريب وعمل هواة.
في الاثناء، كانت نتائج استطلاع العام ونصف العام على حكومة الذهبي تتكشف وتنتهي الى ما انتهت إليه عشرات الاستطلاعات الاخرى التي انطوت على ضعف في الثقة بين المواطن والمسؤول وعدم احساس بالرضا تجاه الحكومات المتعاقبة والحكومة الحالية ايضا، خصوصا بعد أن فقد الشعب ثقته بالبرلمان.
ويبدو أن الوعي بالتهديد والخطر الاقتصادي يتصاعد لدى المواطن الاردني لصالح انحسار رأيه وموقفه وأولويته تجاه صخب السياسة، فموضوعات واشكاليات الوضع الاقتصادي والبطالة والمياه والفقر وارتفاع الاسعار تستحوذ على ثلاثة ارباع اهتمامات الاردنيين وينحسر الربع الاخير في سياق المخاوف السياسية من تداعيات القضية الفلسطينية.
وفي مقابل هذا الوعي المجتمعي، يتراجع الاداء الحكومي الى مربعه الاول، من دون إحداث تغيير نوعي في سياق الحراك الاقتصادي ومن دون وجود الزام للنخبة التي تجلس على الكراسي حيال تحقيق رؤية ما او تغيير ما في واقع حياة الناس.
منذ زمن بعيد ونحن نتحدث عن المديونية، وهي اليوم تراوح حول 12 بليون دولار، ولا يوجد منهج حكومي لحسم سلوك الدولة تجاهها، ففي مرة نبيع موجودات البلاد لصالح التسديد، وفي أخرى نعزف عن الاقتراض الخارجي لصالح التوسع في الاقتراض الداخلي، وأخيرا انتهينا الى الاقتراض الخارجي رغم مرارة شروطه بفعل الازمة المالية العالمية، وليس عجز الموازنة الذي يتوقع له ان يتخطى 1.5 بليون دولار العام الحالي، بأفضل حالا من وضع المديونية فيما يبقى الانفاق الحكومي العام فوق 55 % من الناتج المحلي الاجمالي ولا يقوى احد – او هكذا يبدو – على تخفيضه، ويتساوق مع ذلك كله العجز التجاري الذي يؤشر على بون دائم بين الاستيراد والتصدير.
اكثر صعوبة مما مضى، فإن ملفات الفقر والبطالة تراوح مكانها، بل تتسبب بعض السياسات الحكومية في مزيد من بؤر الفقر، وأنتجت تلك السياسات نسبا مرعبة بشأن من يملك ومن لا يملك، كما أسهمت في تعزيز انتهاك حقوق نحو ثلث السكان الاقتصادية والصحية والتعليمية وكذلك الثقافية وهم الفقراء.
ملفات تزداد ثقلا وقساوة، وحكومات لا تقوى على خفض الانفاق والبذخ بمستوى 100 دينار ولم يقدم – برأيي -أي من طواقمها حلولا او افكارا تساعد في ولوج نفق الحل، وبين الطرفين يظهر حديث صديقي القادم من هولندا باعتباره اكثر اقناعا واكثر واقعية.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد حسن احمد الشوبكي