ركيزة الأمن الاقتصادي والاجتماعي وحتى السياسي لأي دولة تتمحور حول التطبيق الصادق لمبدأ المساواة بين المواطنين وفق نسق قانوني واضح، والمادة السادسة من الدستور الأردني تتبع هذا الفهم من خلال التأكيد على أن جميع الأردنيين متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات بغض النظر عن العرق أو الدين أو اللغة.
غير أن التطبيق العملي لهذه المادة ليس كذلك في أحيان كثيرة وينزلق السلوك المؤسسي إلى مقايضات وأشكال من التنفيعات تنعكس سلبا في نهاية الأمر.
في غضون الأسبوعين المقبلين ستقوم الحكومة ب" منح " النواب شيكات بمبلغ يقارب 400 ألف دينار، وهي معونات قررت الحكومة صرفها لطلاب جامعيين لدفع نفقات فصل دراسي واحد لنحو 1100 طالب وبمعدل عشرة طلاب لكل نائب.
أي مؤسسية في هذا التوجه الحكومي؟ وأي مساواة تسعى الحكومة إلى تحقيقها عبر سلوكها هذا؟ ومن قال إن تخصيص عشرة أسماء من الطلاب لكل نائب يعد فعلا ديمقراطيا رصينا؟ ولماذا تفتح الحكومة الباب أمام بعض النواب ليضع الأسماء التي يرغب بها ومن ضمنها أسماء أبنائهم؟ وأهم من كل ما سبق، لماذا تبني السلطة التنفيذية علاقتها مع السلطة التشريعية على أساس الأعطيات والمخصصات وتقسيم المواطنين إلى قوائم بمرجعية شخصية للنائب الذي يفعل ما يحلو له فيضع هذا الاسم ويقصي آخرا.
هذا السلوك بما فيه من مقايضة وإفساد للعلاقة بين سلطتين يعزز من الضغائن ويبعد المجتمع عن قاطرة العدالة والمساواة كما يحول الفئات المحتاجة إلى مجرد مجاميع تتسول بشكل مستمر، وتمتد حلقات المقايضة بشكلها غير اللائق من المؤسسات الدستورية الكبيرة من حكومة وبرلمان الى الفرد المحتاج، فها هي الحكومة ترغب في كسب ود النواب بأي ثمن لتمرير حزمة قوانين الدورة الاستثنائية، وها هم النواب يحصلون على نفوذ ليس لهم من خلال شيكات المعونة، وتنتهي الحلقات إلى المحتاج الذي يضطر تحت عبء العوز إلى أن يكون من " محاسيب " هذا النائب أو ذاك على أُسس غير سياسية وحتى غير إنسانية.
محزن حقيقة ما يتسرب من معلومات عن توجه الحكومة هذا، ومحزن أكثر عندما نعلم أن الأسماء التي تندرج ضمن قائمة المعونات المقدمة للطلبة أبناء بعض النواب، وكل هذا يجري ونحن كدولة ومؤسسات وأفراد نتحدث عن تحرير المجتمع من قيود التخلف والعبث، وثم نأتي بعد ذلك ونستغل فقر الفقراء ونغرق في مستنقع المطلبية والحاجة لفئة الشباب الجامعي وهي فئة معنية بتطور البلاد على أسس وقيم الحق والعدالة لا المحسوبية والتزلف والنفاق.
التوجه الحكومي الذي نتحدث عنه لم يكن الأول في تاريخ الحكومات الأردنية ويبدو أنه لن يكون الأخير، ومثل ذلك بالنسبة للمتلقي – مجلس النواب – الذي يقبل الأعطيات وما تسمى المكرمات من دون محاذير أو تشدد، وبين الجانبين تتفشى أدوات التسول والرشى والواسطة والمحسوبية، وتغيب المساواة بين المواطنين ويتراجع القانون وتحل مكانه أمراض اجتماعية و اقتصادية عديدة.
يجب أن ترتقي الدولة بأدواتها ومفاهيمها لخدمة الاقتصاد والسياسة والمجتمع في آن واحد، وأن تؤسس لكل ما يساعد على توحيد المجتمع وإشاعة المساواة فعلا لا قولا، وتتجنب كل ما يثير الضغائن ويمنح نفوذا لجهات لا تمارس نفوذها الحقيقي وتختبئ خلف أنماط خدمية تكتسب بموجبها ولاء مؤقتا لمكاسب انتخابية صغيرة سرعان ما تتلاشى.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد حسن احمد الشوبكي