انهمك مسؤولون ووزراء وكوادر حكومية كبيرة في الترتيب والتنسيق واعداد الديباجات وتجهيز الاوراق والمحاضر وصولا الى توقيع اتفاقية تجارة حرة مع كندا، فيما تصدر عمان سنويا بقيمة 7 ملايين دينار فقط الى العاصمة اوتاوا، وانشغل مع الفرق الحكومية النشطة اعلام رسمي وآخر غير رسمي في تغطية المنجز الاقتصادي، وتخلل ذلك غداء وعشاء عمل، وكلف لا تتناسب مع حقيقة مستوى التجارة بين الاردن وكندا.
ليس القصد من الوصف السابق اعتبار كاتب هذه السطور ضد توقيع اتفاقية تجارة حرة بين الاردن وكندا او اتفاقيات مع بلدان اخرى لا تربطنا بها علاقات تجارية متينة، ولكن الشهور الاخيرة كشفت هنات ومؤشرات وتهديدات واسعة الاثر في الجسم الاقتصادي تستحق جهدا استثنائيا من قبل "العقول" الاقتصادية للدولة، لتجهيز الخطط واستعراض خيارات وحلول المرحلة المقبلة، وعلى رأس تلك المؤشرات هبوط حجم الاستثمار الاجنبي وتدني قدرة الاقتصاد على توليد فرص العمل والبون الشاسع بين ما هو مقدر وما هو فعلي في موازنة المملكة واثره المباشر على ارتفاع عجز الموازنة لما يقارب بليونا ونصف البليون دينار.
وبالتساؤل عن خطر هبوط الاستثمار الاجنبي بنسبة 76% مع نهاية الربع الاول من العام الحالي، فإن رقم الاستثمار الاجنبي الذي تراجع من مستوى 921 مليون دولار في الربع الاول من عام 2008 الى 218 مليون دولار مع نهاية اذار (مارس) الماضي مرشح لأن يكون صفرا في المقبل من الشهور اذا ما استمر نسق الهبوط على منواله من دون اجراءات تحفيزية للجذب او محاولات استثنائية لاعادة تسويق مشاريع توفر بيئة جديدة للمستثمر الاجنبي المذعور حاليا من تداعيات الازمة المالية العالمية.
وفي التهديد الثاني تكمن ملامح الفشل بالنسبة لدور القطاعين العام والخاص في فتح الطرق امام فرص عمل جديدة، فالارقام الرسمية تؤكد ان صافي فرص العمل التي تمكن الاقتصاد الاردني من استحداثها خلال النصف الثاني من عام 2008 تراجع بنسبة 21 % مقارنة بالنصف الثاني من عام 2007 ، اذ تم توليد 27  الف فرصة عمل فقط ، واستمر ذات التشوه عبر تركز هذه الفرص – على  تراجعها -  في عمان والزرقاء واربد ، بينما  كان حصاد باقي المدن والقرى الجنوبية والشرقية العدم، اذ فشل القطاعان العام والخاص في اعادة اطلاق فرص عمل حقيقية لشباب وسكان تلك المناطق واستمر مشهد البطالة في التفاقم، ولم تجدِ المواقف الحكومية المعلنة من ان الاستثمار يجب ان ينتشر خارج عمان ايضا وبقي الحال على ما هو عليه، لا بل على نحو اسوأ.
اما تهديد عجز الموازنة فهو الاكثر خطورة بعد ان كشفت ارقام الموازنة الفعلية مدى فشل التخطيط لتكون موازنة البلاد منطقية وواقعية، فالمخططون الحكوميون – بقصد او من دون قصد – افرطوا في التفاؤل رغم ان الازمة المالية عصفت باقتصادنا، واعتبروا ان الايرادات ستبقى مرتفعة بينما جاء حجم  الفرق في الايرادات المحلية بين ما هو مقدر وما هو فعلي في النصف الاول من العام الحالي بما يفوق 377 مليون دينار وهو ما سيدفع عجز الموازنة الى اعلى، ويتطلب بالضرورة حلولا حكومية عاجلة لتفادي ازمة العجز الجديد، والقصة برمتها تنطوي على ضعف في التخطيط وقصر في فهم ما يجري حولنا، من دون ان يتوفر لدينا انذار مبكر يساعدنا في فهم الطرق التي سيسلكها الاقتصاد في ظل استمرار تأثير الازمة على البنوك والشركات والانشطة الاقتصادية كافة في البلاد.
الشباب الباحثون عن فرصة عمل يرقبون الحكومة والشركات كافة، ويأملون ان يروا جهدا وخططا وافكارا حقيقية لا مخادعة او شكلية لحل ازمتهم وضنك عيشهم، ويأملون ايضا ان لا تطالعهم في وسائل الاعلام ذات الصورة المزعجة والمتكررة والمخادعة والتي يبدو فيها الوزراء ومديرو الشركات والبنوك متأنقين وهم يوقعون اتفاقيات رصيدها ضئيل في الواقع الاقتصادي المعاش.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   حسن احمد الشوبكي