يتفق علماء الاقتصاد على أن أوضاع المرأة أكثر تأثرا وأشد حساسية من نظيرها الرجل تجاه التحولات الاقتصادية والازمات التي تمر بها الاسواق.
لكن المسألة أكثر قتامة في الواقع العربي، الذي تعاني المرأة فيه من تهميش ممنهج وفقر وبطالة وتراجع في مستويات الدخل، وتقابل كل ذلك مسؤوليات وأعباء جسام، بينما الاقتصادات العربية تواجه اشكاليات نقص السيولة وأزمات مصرفية وغير مصرفية، لتتأثر تلك الاقتصادات سلبا، فما هو اثر تلك الازمة على المرأة؟.
ثمة تراجع مقلق في المؤشرات التي ترصد المشاركة الاقتصادية للمرأة الاردنية، فعلى الرغم من ارتفاع معدل الخريجات وزيادة نسبة التعليم بالنسبة للاناث، إلا ان مخرجات سوق العمل تؤشر على ان حصة المرأة ما تزال ضئيلة وغير متكافئة مع حصة الرجل أو حتى تقترب منها.
فمعدل المشاركة الاقتصادية للمرأة لا يتجاوز في احسن حالاته 13%، كما ان الاناث العاملات يحصلن على اقل من 75% من معدل الاجر الذي يحصل عليه الذكر، وفقا لدراسات اقتصادية واجتماعية محلية، وبالعودة الى معدل المشاركة الاقتصادية، فهذا المعدل يبدو ضعيفا ورديئا امام معدلات عالمية ترصد مشاركة المرأة الاقتصادية بين 40% و70%.
عمل المرأة الاردنية وحتى العربية يتركز في التعليم والصحة والادارة بمستوياتها الدنيا، وهو عمل أقرب إلى قطاع الخدمات الذي تأثر مباشرة من تداعيات الازمة المالية العالمية، ويتفق مع هذا التحليل تقرير مفصل لمنظمة العمل العربية يذهب الى ان البطالة في العالم العربي سترتفع الى 23 مليون عاطل عن العمل هذا العام، وسيكون رقم الزيادة بسبب الازمة فوق 6 ملايين شخص وستتركز تلك البطالة في أوساط النساء وتحديدا في القطاعات الخدمية التي كانت توفر ملاذا لكثيرين قبيل الازمة.
مؤتمر الشبكة النسوية العربية، الذي عقد الاسبوع الماضي في عمّان، وضع يده على جرح قديم جديد، فالورقة التي قدمتها عضو اللجنة التنفيذية لاتحاد المرأة، عبلة ابو علبة، وأكدت فيها بأسلوب وسياق علميين مدى تأثر المرأة من الازمة المالية المستمرة، تدعو الى مزيد من الضوء على واقع المرأة المقبل بغية الوصول الى حلول تساعد في نقل المرأة والمجتمع من حال الى حال، لا سيما وأن معدل الاعالة في المحيط العربي يرتفع الى مستويات تشكل اربعة اضعاف ما هو متحقق لدى الدول الآسيوية؛ إذ يعيل العامل العربي الواحد شخصين على الاقل، فيما يعيل نظيره الآسيوي ربع هذه النسبة.
بعد نحو عشر سنوات، سيكون العالم العربي على موعد مع ضرورات جديدة ليس أقلها خلق فرص عمل يفوق عددها 51 مليون فرصة، فيما تمر المرأة حاليا بمستوى مشاركة اقتصادية ضئيل، وتتراكم اعداد العاطلات عن العمل رغم تكدس افواج الخريجات، ويجري تجاهل حقوق المرأة في غير مصنع ومؤسسة اقتصادية، وهو ما سيدفع لاحقا الى انسحاب قسري للمرأة من سوق العمل بعد ان ظلمت عبر اضاعة سنوات من عمرها وهي تبحث عن عمل، واستيائها لاحقا من طبيعة المهنة ومن الاجر ايضا، مما سيخلق تشوهات اضافية في اسواق العمل المتخمة بالتشوهات.
تمكين المرأة يعني تمكين المجتمع، وهذا الامر لا يتم بالتنظير والعبارات المنمقة، وإنما ينطوي على جهد مؤسسي يتحمل فيه الجميع مسؤولياته تجاه إعادة الحقوق والاعتبار لنصف المجتمع المهمش، وإعادة انتاج الجهد النسوي في الواقع الاقتصادي بطرق وأدوات شفافة وبما يزيد من قوة وفاعلية المشاركة الاقتصادية للمرأة، حتى لا تكون الازمة العالمية الحالية سببا في القضاء على آمال وتطلعات ملايين النسوة في البلاد العربية.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد حسن احمد الشوبكي