لست متأكدا من وجود تغيير في هيكلية بناء الموازنة العامة، فتفاقم عجز موازنة 2009 الى 1.65 بليون دينار وما يقابله من نسب مقلقة ايضا في موازنة 2010 التي تشكل نفقاتها الجارية نحو 83% من اجمالي تلك الموازنة يدلل على ان ملامح التشوه ذاتها ستظل تلاحق موازنات لاحقة.
عجز الموازنة العام كان كبيرا وما زاد في ارتفاعه الى مستويات غير مسبوقة تلك الملاحق المالية التي تتجه لسداد ديون حكومية لصالح قطاعات الاعمال ومنها ملحق الموازنة بقيمة 300 مليون دينار، بينما يستمر ملف المديونية بالتراكم حتى اقترب من مستوى عشرة بلايين دينار.
وتلك ارقام يجب ان يتوقف عندها رجل القرار المالي في البلاد لا سيما وان شروط المساعدات الخارجية باتت اكثر صعوبة بسبب الازمة المالية العالمية وشح السيولة في معظم الدول والتفات كل دولة الى وضعها الداخلي وانحسار مساعدات صناديق التمويل من مؤسسات دولية.
قيل عن موازنة العام الحالي انها ستؤسس للاستقرار المالي وضبط الانفاق وتخفيض العجز، ولا يمكن القول ان اجراءات الحكومة تمهد لهذا الاستقرار او تضبط الانفاق الذي يتسع لاسباب سياسية وبيروقراطية لا اقتصادية.
كما ان تخفيض العجز من دون اجراءات حقيقية لخفض الانفاق الحكومي في ظل انحسار المساعدات ووصول المديونية الى الحد الاعلى المسموح به قانونيا يصبح ضربا من ضروب الخيال.
ويتركز التشوه البنيوي للموازنة العامة في مجال الانفاق عبر ارتفاع النفقات الجارية من اجمالي نفقات الحكومة المركزية الى ما يقارب 0 % في موازنات سابقة وذلك من دون احتساب الهيئات والدوائر المستقلة، وفي حال احتسبت اجور ورواتب تلك الاخيرة فإن نسبة النفقات الجارية ستصل الى اكثر من تسعين في المائة من الموازنة الحكومية وهو ما يكبل الاقتصاد ويعطل خططه لا سيما وان ايرادات واموال الخزينة تتجه في جلها الى الانفاق الجاري غير الانتاجي في معظم أحواله.
قبل عامين حذر صندوق النقد الدولي من أن الاقتصاد الاردني سيواجه ضعفا ماليا متفاقما ما لم يتم كبح جماح الانفاق العام المتزايد، فمستوى الانفاق الحكومي قياسا الى حجم الاقتصاد يفوق 40% من الناتج المحلي الاجمالي وهي نسبة مفزعة.
الا ان خطط وسياسات الحكومات بعد مضي عامين على تلك التحذيرات لم تتغير بشكل جوهري وظل شبح الانفاق يلاحق استقرار الوضع المالي ويمنع طي صفحة العجز ويبقي الاقتصاد في احتياج دائم لاي عون مفاجئ او حلول سحرية، لكن تلك الحلول لا تأتي، فيما تستمر سياسات الاستدانة داخليا بعد ان أشبعت خارجيا.
في مساء كل ثلاثاء تطالعنا قرارات تعيين او نقل او استحداث مناصب جديدة كنتاج لجلسة مجلس الوزراء الاسبوعية، ولا يعلم معظم الاردنيين مبررات تلك القرارات ومدى اثرها على خزينة الدولة، ولا تتساوق تلك القرارات في معظمها مع سياسات ضبط الانفاق وترشيد الاداء الحكومي ، فتارة ينقل المدير العام الفلاني الى دائرة كذا ويحل محله مدير اخر من نفس الكادر البيروقراطي، وثالث يحصل على ترفيع الى العليا ورابع وخامس، وكل ذلك يتم من دون شروط شفافة، فلا نعلم لماذا نقل فلان ولماذا عين علان، وتستمر تلك المتوالية التي تتضارب مع صميم خفض الانفاق، وكلنا يعلم ثقل حجم رواتب وتقاعدات ذوي الدرجات العليا في القطاع العام.
المأمول ان يتم خفض الانفاق بشكل حقيقي لا على نحو مخادع، واعتقد ان الوقت قد حان لازالة التشوهات التي تلحق بالموازنات وبسياساتنا المالية، واتمنى ان نصل الى لحظة تتساوى فيها الايرادات والنفقات في ظل غياب العجز الذي أمسى واقعا مريرا يصعب تجاهله.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد حسن احمد الشوبكي