عندما يكبر أبناؤنا فإن الشركات القائمة ستكون ملاذهم لاكتشاف طاقاتهم وقدراتهم في بناء بلدهم على نحو نزيه وشفاف وفق علاقة تبادلية صحية.
لكن ما يحدث في تلك الشركات حاليا، لا سيما في نسبة كبيرة من ذوات المساهمة العامة لا يشير إلى أن حلم الأبناء ممكن. فالأمن الاقتصادي الاردني يتهاوى تباعا وفق أنساق عمل لا تقترب بشكل او بآخر من أسس النزاهة والعدالة المعروفة عالميا.
تشكيلة مجالس الإدارة في عدد كبير من الشركات القيادية، مساهمة عامة، تنطوي على تداخل فاضح في المصالح، ولا يوجد في موازاة ذلك فصل حقيقي بين الملكيات والإدارة. فمن يملك هو من يدير، بصرف النظر عن قدراته العقلية أو الأخلاقية، ويتم تعيين الأعضاء بشكل شخصي وضمن حسابات ضيقة لا شأن لها بمستقبل الإنجاز والتطوير في الشركة.
ويغيب أعضاء عن اجتماعات المجالس ولا يسجلون في قائمة الغياب، وأهم القرارات تتم بتمرير المحاضر إلى بيوت الأعضاء الغائبين ليوقعوا، رغم أن القانون لا يعترف بقصة التمرير تلك، فقرارات المجالس تتم بالحضور لا بالتمرير.ولنتخيل كيف ستكون العلاقة بين رئيس مجلس وأعضاء عينوا من قبله، حتما ستكون عبثية وعمودية. وبطبيعة الحال فإن المسألة لا تعني رئيس المجلس الذي لا يأبه لشروط الحاكمية في العمل، وربما يجهل ماذا يعني مفهوم الحاكمية، ويواصل تحكمه بمقدرات المساهمين وبأمن الاقتصاد عبر أدوات تخدم مصلحته فحسب.عدد من المظاهر في السوق المالية عصية على الفهم، فكيف تسجل ميزانية شركة مساهمة عامة عقارية خسائر بحجم 50 مليون دينار في العام الماضي وبحجم 20 مليون دينار في الشهور الثلاثة الماضية من العام الحالي، بينما يستمر الرئيس التنفيذي للشركة بتمرير معلومات مخادعة عن الشركة، ويشتري أسهما عبر بنك آخر ويواصل التنقل بين أسهم الشركات الحليفة والتابعة من خلال عمليات وهمية بحيث يجري تجميل محفظته الشخصية وتعزيز أرباحها، أما الشركات التي يرأسها أو يساهم فيها فقدرها الجحيم.
وكل ما سبق يتم في ظل أدوات رقابة شكلية لم تمنع هذا المستثمر أو غيره من التلاعب بعدد من الشركات التي له فيها رأي وصوت ومال.الإفصاحات التي تقدمها الشركات المساهمة العامة غير كافية، وما يحدث في تلك الشركات يتطلب تشكيل لجان لتقصي الحقائق، فهنالك صفقات تجري داخل وخارج القاعة ولا يفصح عنها بالشكل الكافي. ورغم تفشي التعاملات الداخلية وهي ممنوعة قانونا، إلا أننا لا نسمع عن توقيف المتعاملين والمتجاوزين على سلطة وهيبة القانون .كان لهيئة الاوراق المالية دور وما يزال في إشاعة سلطة القانون وتعزيز الحاكمية، وهي التي غلظت عصا القانون في السابق. لكن الواقع يشير إلى أن اجتماعات مجالس الإدارة ونسق العمل في الشركات المساهمة العامة، يجريان بشكل أبعد ما يكون عن القانون شكلا ومضمونا، فيما يخبو دور جهات رقابية . ويقابل ذلك لجان تدقيق داخلية في الشركات، بعض منها غير كفؤ يعينها المدير العام ورئيس المجلس في ظل غياب الاستقلالية بحيث يتحول أفراد تلك اللجان إلى موظفين.
وأمام كل هذا التفرد من قبل بعض رؤساء مجالس الادارة، فإن المعاييرالمحلية التي تحدد أجور ورواتب الرؤساء التنفيذيين وأعضاء مجالس الإدارة تغيب، ويغيب معها قدرة اي جهة على مراقبة تلاعب بعض الرؤساء التنفيذيين بأموال الشركات التي يتحكمون بها.
عندما تفشل شركاتنا وتترهل ويعيث فيها الفساد، فإن ذلك سينعكس على مستقبل أطفالنا وشبابنا، وهو سيؤثر حتما على الأمن الاقتصادي الذي أصبح مطية لمن لا يراعي أبسط شروط النزاهة والحاكمية.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   حسن احمد الشوبكي