ليس خبرا عاديا، وفق ما اعتقد، ما قرأه الأردنيون قبل يومين من أن الحكومة تتجه للاقتراض الخارجي بحجم 500 مليون دولار، وليس عاديا أن نرجع بعد سنوات طويلة من الإصلاح المالي والاقتصادي إلى مربع العام 1993.
قبل سبعة عشر عاما تم تسوية جميع الديون التجارية الأردنية مع نادي لندن، ومنذ ذلك التاريخ البعيد لم تقم المملكة بالاستدانة الا من خلال صندوق النقد الدولي أو البنوك المحلية، حتى وصلت المديونية الى ما وصلت إليه بنهاية الشهر الخامس من العام الحالي. وبلغت 9891 مليون دينار 61 % منها تمثل رصيد المديونية الداخلية، وبحيث شكلت المديونية بمجملها نحو 60 % من الناتج المحلي الاجمالي، وهي نسبة مقلقة قانونيا وقبل ذلك ماليا وسياسيا.
البيانات والحسابات الرسمية تشير الى ان الحكومة أكبر مقترض لدى البنك المركزي خلال السنوات الماضية وهذا مقلق ايضا، واليوم يقال ان اسعار الفوائد التي تقدمها لها تلك البنوك ليست منافسة وفيها الكثير من المغالاة، وقد يكون ذلك صحيحا.
لكن ما هو أكثر صحة ودقة ان الجهاز المصرفي يعتبر ان عبء اقراض مبلغ الخمسمئة مليون كبيرا، وان شهية الحكومة للاقتراض تتسع، ولا يوجد ما يؤشر على قدرات السداد خلال الآجال المعلنة، والمخاوف كل المخاوف من ان يتم مواصلة طبع النقود وهو ما يؤثر بالضرورة على قوة الدينار.
وبالعودة إلى عام 1993 ، فإن مساعي حكومة عبدالسلام المجالي وقتها كانت تنصب على تسديد جميع الديون التجارية عبر نادي لندن وفق عملية انضوت تحت اجراءات التصحيح الاقتصادي الذي بدأت في العام 1989 لتحقيق الضبط المالي.
ويبرز هنا التساؤل، هل عادت البلاد الى مربع ما قبل 1993 فعلا ؟ وهل الدخول في مديونيات السوق التجارية العالمية او الاقليمية سيفتح الباب مجددا للدخول في اتون مديونية خارجية تتخطى سقف قانون الدين العام ؟ والاهم مما سبق ، هل سينحسر عجز الموازنات المزمن بما يتيح الفرصة امام الحكومة لسداد المديونية الثقيلة ؟
المعلومات التي تسربت تفيد بأن الحكومة ستلجأ الى الصكوك الاجنبية بالمبلغ الذي تنوي اقتراضه من قبل بنك يونيكورن للاستثمار، وهذا البنك البحريني متخصص في اصدار مثل هذه الصكوك وله عشرات البلايين منها سنويا، ولجأت منذ اعوام طويلة دول اقليمية لديها مديونيات ثقيلة مثل لبنان إلى الاستدانة من هذا البنك. علاوة على ان اصدار تلك الصكوك الاسلامية تنامى في الآونة الاخيرة لدى مجلس التعاون الخليجي ايضا. جملة القول، ان إيرادات الحكومة من ضريبة المبيعات والضرائب عموما تزيد لا سيما الضرائب الخاصة، واتخذت الحكومة الحالية سلسلة اجراءات لتصحيح الاوضاع ومحاولة سد عجز الموازنة، ومع ذلك فأنها – أي الحكومة – لجأت الى الاستدانة الخارجية من السوق التجارية العالمية. وفي التحليل يمكن القول ان سبب كل هذا التراكم يكمن في توسع العجز الناجم عن شهية الانفاق العام المفتوحة وغير المبررة والتي تتسبب في كل التشوهات التي من شأنها ان تضع الاقتصاد الأردني في معاضل جديدة بدل ان يتجاوز عقد الماضي. اللجوء الى السوق الخارجية للاستدانة لا يبشر بخير، ومشكلة الموازنة ذات العجز المتراكم تحتاج الى حلول قاسية وجراحة محلية حقيقية لشكل وجوهر الانفاق في البلاد لا بالهروب إلى الخارج بحثا عن ملايين ستضاف إلى بلايين لم يتم سدادها بعد .
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد حسن احمد الشوبكي