يسيطر على الإعلام الألماني حديث مقلق هذه الأيام يتركز في المدونات ومعظم الصحف الكبرى ومنها دير شبيجل، وبدأت المخاوف تلك تتزايد بعد دراسة أعدتها وزارة الدفاع الألمانية تشير إلى أن إنتاج النفط العالمي سيشهد بداية التراجع في إنتاج النفط العالمي أواخر العام الحالي.
الدراسة تعد خطيرة، وتكمن الخطورة في أن دوائر التخطيط في الجيش الألماني تعتمد على الدراسات العلمية ولا تتطلع الى الفرضيات غير المثبتة أو التحليل غير العلمي، ويقوم على إعداد بحوثها الاقتصادية والأمنية فريق من العلماء والمتخصصين الكبار، وهي التي تولي اهتماما كبيرا بحجم احتياطيات الجيش الألماني من النفط للسنوات المقبلة، ولذلك يجب أن تؤخذ هذه الدراسة ونتائجها على محمل الجد.
وعن الإنتاج العالمي، فقد تبوأت روسيا صدارة الدول المنتجة للنفط في العام 2009 إذ بلغ إنتاجها اكثر من 10 ملايين برميل نفط يوميا وبنسبة 12.9 % من الإنتاج العالمي، وحلت السعودية بالمرتبة الثانية بمقدار 9.7 مليون برميل يوميا وبنسبة 12 % من إجمالي الإنتاج وجاءت الولايات المتحدة الأميركية بالمرتبة الثالثة بمقدار 7.2 مليون برميل وبنسبة 8.5 % من الإنتاج العالمي الذي يبلغ نحو 81 مليون برميل يوميا تقريبا كما في التقرير السنوي لشركة بريتش بتروليوم .
ومما يدعو إلى القلق أن الدراسة التي نشرت الأسبوع الماضي في الصحافة الألمانية تؤكد أن ذروة إنتاج العالم من النفط ستتحقق في نهاية العام الحالي، وهو ما يعني أن شحا تدريجيا سوف يبدأ في موارد النفط مما يؤثر على مسارات الإنتاج الاقتصادي عبر العالم لا سيما على صعيد النمو، ولكون أسعار الوقود تعتبر مؤثرة في مدى توسيع أو تضييق حجم التجارة بين مختلف الدول، فإن شح الموارد النفطية سيتسبب في تراجع التجارة بمستويات ملموسة، وسيكون سببا أيضا في تضاعف فاتورة الاستيراد لدول العالم الثالث في غضون سنوات قليلة.
نحن في الأردن من أكثر المتضررين إذا ثبتت صحة تلك الدراسة، فالاعتماد على المشتقات النفطية من الخارج يتم بنسبة 100 %، كما وأن شهيتنا في الاستيراد والاعتماد على الصناعات الآسيوية والأميركية والأوروبية مفتوحة، ولذلك فإن اي ارتفاع غير عادي على أسعار الوقود بسبب شحها سيؤثر على الاقتصاد الأردني وقدرات المستهلكين المحلية في ظل تضاؤل استخدام مصادر الطاقة البديلة.
بالنسبة للعرب خاصة الدول النفطية الخليجية، فإن قراءة تلك الدراسة للمستقبل تعني زوال ملامح القوة في معظم تلك الدول التي يعد النفط مصدر قوتها الاقتصادية الأساسي، وكانت الدراسات السابقة التي تبحث في إمكانية اكتشاف مصادر بديلة للنفط تعزز من ذات الصورة التي ترى في أن الاعتماد بشكل مطلق على النفط لا يعد أمرا حكيما، إذ إن مصادر الطاقة تتغير وتنضب وتتأثر بتطورات الاقتصاد والسياسة وتتأثر قبل ذلك بالتغيرات الطبيعية التي تحدث في باطن الأرض، وكان يتندر بعض الكتاب الغربيين بقولهم في السابق: على العرب أن يشربوا نفطهم إذا تم اكتشاف مصادر طاقة جديدة وفاعلة.
التقرير السري حول قرب تراجع إنتاج النفط عالميا وجد آذانا صاغية في المملكة المتحدة، اذ تعكف وزارة الدفاع والبنك المركزي وعدد كبير من ممثلي قطاعات الصناعات على إعداد الخطط لمواجهة أي طارئ في حال نقصت كميات النفط المنتجة في العالم. الدراسة الألمانية وتقريرها السري يدعوان إلى إعادة فهم ما يجري حولنا، فثمة إشكاليات كبيرة وتقلبات مناخية عصية على الفهم، وقبل كل ذلك اختبار مرت به الرأسمالية خلال العامين الماضيين – الأزمة المالية العالمية – وأخفقت فيه، وترتبط بهذا الاختبار الأخير معلومات وتوقعات كشفتها الدراسة، ومفادها أن تحولات في مراكز القوى العالمية ستحدث في السنوات العشر المقبلة، وعلى رأسها انهيار نظام السوق.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

جريدة الغد   صحافة  حسن احمد الشوبكي