إذا سارت الحكومة خلف توصية صندوق النقد الدولي القاضية بالتضييق على الائتمان بسبب ضغوط التضخم، فإننا سننتهي إلى ركود اقتصادي جديد يشوبه الحذر في كل سلوك فردي أو جماعي على مستوى النشاط الاقتصادي.
صندوق النقد اعترف في تقريره السنوي المنشور الأسبوع الماضي أن البلاد شهدت تراجعا حادا في النشاط الاقتصادي، وأن التسهيلات المصرفية عرضة لتضييق جديد كلما لاح شبح التضخم، وعليه فإن من المنتظر – إن انصت المسؤولون الى توصية الصندوق – أن يتزايد الركود وافلاسات التجار والاعمال للشهور المقبلة من السنة.
أعتقد ان الحكومة فعلت ما عليها، فلقد ضمنت ودائع الجهاز المصرفي حتى نهاية العام الحالي، وقللت الضرائب على البنوك إلى 25 %، كما خفضت سعر إعادة الخصم، ومنحت البنوك امتيازات اخرى، ولم تقدم البنوك في المقابل خطوات مقنعة باتجاه تحريك النشاط الاقتصادي على نحو حذر وذكي، بل على العكس قامت برفع اسعار فوائد الاقراض وخفض الفوائد على الودائع، واستمرت في التضييق على المصدرين والتجار وقطاعات اقتصادية حتى بلغت بعض تلك القطاعات حدود التعثر والافلاس والانسحاب من الاسواق.
أتفق مع وزير المالية بأن استقرار الاقتصاد الكلي ناجم عن سياسات مالية أخيرة سعت إلى ضبط الإنفاق وتقليص العجز وتوسيع حجم الإيرادات لصالح الخزينة، وإن كانت على حساب المواطن أحيانا، لكن ما يصعب فهمه هو استمرار السياسة النقدية في مسارها الحالي، فثمة نعومة مفرطة في التعامل مع البنوك وتهيئة كل ما هو سبب لأرباحها، وبالمقابل لا تقوم البنوك من جانبها بالأدوار المطلوبة منها.
الحكومة فعلت ما عليها لانقاذ البنوك من تداعيات الأزمة العالمية ونجحت بالفعل في ذلك، وانتهينا من تلك المرحلة، لا سيما وأن نقص السيولة قد تلاشى، ولدينا حاليا فائض في السيولة؛ فما الذي يمنع المصارف المحلية من المضي قدما في الإقراض الحذر لمصلحة القطاعات الاقتصادية ولمصلحة البلاد في المحصلة؟ أم أن تلك البنوك ستواصل فرض القيود وبما يزيد من فرص الدخول في ركود جديد بعد ان تعرض النشاط الاقتصادي لصفعة قاسية في العام الماضي والنصف الاول من العام الحالي.
صحيح أن نمو التسهيلات استمر على نحو أسرع من نمو الودائع خلال عامي 2007 و2008، ولكن العام 2009 كان محطة مفيدة لتصحيح هذا التشوه، وشكلت الازمة العالمية ارضية خصبة للتصحيح من خلال التشدد في الاقراض وصولا الى نسبة نمو في التسهيلات بلغت 2 % بينما زاد نمو الودائع بنسبة فاقت 12 %.
الآن وبعد أن تخطت ودائع البنوك 21 بليون دينار مع نهاية النصف الاول من السنة الحالية، فان وفرة السيولة والامتيازات التي تمنحها الحكومة للقطاع المصرفي ومعها رداءة بعض اوجه النشاط الاقتصادي تدفع البنوك الى السير في طريق جديدة، لا غلو فيها بالإقراض غير الحذر كما كان قبل عام 2009 ولا تضييق فيها على القطاعات الاقتصادية وبما يقيد حركة الاقتصاد عموما كما حدث في العشرين شهرا الاخيرة.
السياسة المالية تتحرك في فضاء إصلاحي هدفه ضبط الإنفاق العام، وللأسف يأتي هذا الهدف أحيانا على حساب المواطن وجيبه، فيقابلها سياسة نقدية مستمرة في التعبير عن خوفها من التضخم ونقص السيولة والارتهان الى شبح الأزمة العالمية، وتنعكس صورة تلك السياسات في نهاية الأمر لدى حركة الأسهم والسندات في سوق رأس المال، إذ لا تشير مرايا السوق إلى وجود أوضاع صحية، والأولى أن لا نكسر تلك المرايا بل أن نعدل تلك السياسات ونحفز البنوك لفعل ما هو جديد ومناسب وغير مضر بمصلحة الاقتصاد.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
جريدة الغد صحافة حسن احمد الشوبكي