في تقرير البنك المركزي الأردني عن "استقرار القطاع المالي في الأردن" العام 2009 والذي يغطي الشهور الستة الأولى، يظهرالتقرير أن تركيبة ملكية البنوك الأردنية شهدت تحولا بارزا، عندما بلغت نسبة ملكية غير الأردنيين 7و51 % مقارنة بنسبة 6 و38 % كما كانت في عام 2003 ، ويعبّر التقريرعن الفرحة لهذا التحول لأنه "يعكس ثقة المستثمرين في الجهاز المصرفي بشكل خاص والاقتصاد الأردني بشكل عام".
ويظهر التقرير أن البنوك وظفت 92 % من مصادر أموالها البالغة 3و19 بليون دينار من ودائع المواطنين في أرصدة سائلة لدى البنك المركزي (بفائدة 4 %) وبالسندات الحكومية التي تتقاضى عليها الفائدة نفسها تقريبا.
ما يعني أن البنوك استثمرتها في ميادين خالية من المخاطر، مهملة حاجات الاقتصاد الأردني، حيث نمت التسهيلات الائتمانية التي قدمتها، وهي المصدر الوحيد تقريبا لتمويل الاقتصاد الأردني ، في الشهور الستة بنسبة ضئيلة جدا لم تتجاوز 0.3 % وبنسبة متواضعة خلال كامل العام بلغت 1 و2 % إذا ما قورنت بنسب نمو التسهيلات خلال السنوات من العام 2004– 2008 والتي تراوحت بين 5 و15 %-1و26 %.
وهذه النسب محّصلة طبيعية لسياسات اقتصادية ومالية ونقدية انتهجتها الحكومات الأردنية والبنك المركزي الأردني وكانت نتائجها، أولا؛ إنفاق حصيلة بيع حصص الحكومة في الشركات التي جاوزت البليون دينار بحيث لم يبقَ منها إلا النزر القليل. ثانيا؛ أصبحت الحكومة لا تملك أصولا (الشركات التي تم بيعها) ولا تملك مالا ( حصيلة البيع ). ثالثا؛ استمرار تسهيل عملية البيع غير المباشر للأصول لتصل البنوك الأردنية، عندما تحولت ملكيتها إلى أكثرية غير أردنية تحت سمع الحكومة وبصرها وتهليلها. رابعا؛ تقاعست السياسة النقدية عن القيام بدورها في أهم محطة احتاجها الاقتصاد الأردني عندما تركته واقفا في تلك المحطة ينتظر وأبقت نافذة إيداعها مفتوحة للبنوك بفائدة مجزية. خامسا؛ تراجعت التسهيلات الائتمانية التي قدمتها البنوك الأردنية للاقتصاد الأردني ما أدخله بحالة تباطؤ لحقت بمفاصله الأساسية. سادسا؛ دخلت السياسة المالية في أخطر مراحلها اقتراضا وإنفاقا عندما أصبحت الحكومة مقترضا رئيسيا من البنوك المحلية وأنفقت كل ما وصل يدها وأكثر.
وكما أن لجذب الاستثمار الخارجي وتوطينه أصولا، فلإدارة الاقتصاد قواعد ومبادئ أهمها التناغم الفاعل الملموس على الأرض للسياستين المالية والنقدية الذي يراعي حاجة الاقتصاد للتمويل، كمحرك للنمو، وفقا لطبيعة المرحلة التي يمر بها والمحافظة على ثروات الوطن ومستوى حياة لائق للمواطن وتحفيز بنوكه لحشد أموال المواطنين لتموّل بها قطاعاته الاقتصادية وتبقيها ترفد خزينة الدولة بالإيرادات وجيوب المواطن بالأجور والرواتب التي ينفقها ويعيد رفد خزينة الدولة بضريبتي المبيعات والدخل.
والنتيجة أن السياسات الحكومية الاقتصادية أفقرت الجميع، عندما تشددت بمنح الائتمان وتمسكت بهيكل أسعار فوائد مرتفع لا يتوافق وطبيعة المرحلة ما حرم القطاعات الاقتصادية من الائتمان ورفع كلفته وخفّض نشاطها وأرباحها، وأضر بالمواطن وخفّض مستوى معيشته بفعل البطالة والفقر وضريبة المبيعات التي يدفعها كلما أكل وشرب وتنفس، وأضر بخزينة الحكومة عندما سبب تراجع إيراداتها واستمرارها بالإنفاق غير المنتج واقتراضها من البنوك المحلية بفوائد مرتفعة ، وأضر البنوك عندما أغراها بالاستثمار قليل الربح خالي المخاطر عبر نافذتي البنك المركزي وإقراض الحكومة وتركها تبتعد عن وظيفتها بالدخول في المخاطر المحسوبة ما خفض أرباحها التي تحوّل في النهاية نصفها لمالكيها غير الأردنيين.
سياسات اقتصادية حكومية اجتمعت سويا فصنعت مالية حكومية مأزومة واقتصادا يتراجع. ومسؤولية الحكومة الجديدة أن تبلور سياسات اقتصادية جديدة تعيد توازنهما وتبعد عنهما الأزمات.

المراجع

alghad

التصانيف

صحافة  زيان زوانه   جريدة الغد