يختبئ ممثلو التجارة والصناعة في بلادنا خلف حروف اللغة في محاولات للهروب من مواجهة ضالة المبادلات التجارية مع دول تفتح ذراعيها للتعاون معنا والتفاعل مع أسواقنا.
وباتت عبارة "إلا أن أرقام التجارة بين البلدين ما تزال دون مستوى الطموحات" متكررة ومملة ولا تنطوي على أي مضمون يسعى للوصول الى مستوى الطموح المأمول.
العبارة مستفزة ولا أعتقد أنها تعفي رجل الأعمال من مسؤوليته بوصفه ضعيفا وغير قادر على التفاعل مع المحيط الاقتصادي القريب والبعيد.
وهي تكشف أيضا أن عشرات الاتفاقيات التي وقعها الأردن منذ عقود لم تسعف هذا الرجل في الانتقال من حال الى حال أو في نقل التجارة والصناعة الأردنية الى مستوى الطموح.
وإذا لم يكن الأمر كذلك، فكيف يفهم الأردنيون تكرار عبارة أن مستوى التبادل التجاري بين الأردن ومعظم الدول الصديقة وحتى الشقيقة ليس ضمن مستوى الطموحات. وتطالعنا تلك العبارة كلما جاء ضيف رسمي أو وفد يضم رجال أعمال أجانب وترافقه طيلة فترة إقامته في المملكة.
قبل بضعة أيام رافق رئيسة الاتحاد السويسري دوريس لويتهارد في زيارتها الى الأردن وفد من رجال الأعمال السويسريين يضم 12 ممثلا لكبريات الشركات السويسرية وعلى رأسها: مجموعة روش لصناعة الأدوية، شركة ABB، جورج فيشر، موفنبيك، نيستليه، فوناك، وروش، وطالعنا بيان نمطي وتقليدي من ممثلي التجارة مفاده أن التجارة بين الأردن وسويسرا دون مستوى الطموحات! ولا أحسب أن وفد رجال الأعمال السويسريين جاء من بيرن الى عمان لسماع تلك العبارة المتكررة.
ثمة تكنولوجيا وشركات أدوية عملاقة وصناعات ساعات هي الأهم في العالم ومعها خبرة سويسرية استثنائية في سوق الخدمات المالية والمصرفية ومثلها في صناعة الشوكولاتة وغيرها من أوجه الاستفادة من ملامح القوة في الاقتصاد السويسري يجب أن يلتفت إليها المستثمرون الأردنيون، لا أن نكتفي بالوقوف على الأطلال والتباكي على حجم التبادل الذي ما يزال دون مستوى الطموحات.
ورغم وجود اتفاق للتبادل التجاري بين الأردن وسويسرا منذ نحو 8 أعوام إلا أن ما تم إنجازه على الأرض في سياق الإفادة من الخبرة السويسرية يعد ضئيلا ومحدودا وهامشيا ويؤشر إلى وجود كسل حقيقي.
وينتهي الى فرضية تفيد بأن توقيع مئات الاتفاقيات مع العالم لا يعني بالضرورة تحسين شروط الاقتصاد الأردني وآفاقه، طالما أن رجال الأعمال لدينا لم يقرروا بعد مستوى الطموح الذي يسعون الى تحقيقه فعلا لا قولا.
العام الماضي صدرت سويسرا الى الأردن ما حجمه 146 مليون دينار بزيادة نسبتها 4.4 % وتركزت في العقاقير والأدوية والساعات والمجوهرات والآلات والأجهزة ذات التكنولوجيا المتطورة واستوردت سويسرا من الأردن بحجم 4.3 مليون دينار بتراجع نسبته 35 % انحصرت في الأحجار الكريمة والمواد الثمينة التي تستخدم في صناعة الساعات.
وحجم التبادل التجاري السابق لا يتناسب مع مضمون اتفاق التبادل الموقع بين البلدين، ولا يتقارب بأي حال من الأحوال مع فرص الاستفادة من التكنولوجيا والخبرة السويسرية أو تمهيد الطريق أمام المستثمرين السويسريين للاستثمار في الأردن ضمن قطاعات صناعية وتجارية عديدة.
أتيحت لي فرصة في مطلع العام الحالي، برفقة كتاب وصحافيين أردنيين، رؤية بعض الصناعات وشركات الخدمات السويسرية في بيرن وزيوريخ، وانطوت المشاهدات على أن ثمة تقاليد وأنماطا أصيلة في العمل يمكن نقلها لبعض المصانع الأردنية، علاوة على وجود رغبة سويسرية في تطوير العلاقة مع الأردن اقتصاديا وسياسيا. وحتى لا نكون دولة تتحدث أكثر مما تعمل كما تشير بعض التقارير الدولية، فإن المطلوب أن يقتنص المستثمرون المحليون كل فرصة ممكنة للاستفادة من قدرات وخبرات الآخرين بعيدا عن بكائية "دون مستوى الطموحات".
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
جريدة الغد صحافة حسن احمد الشوبكي