لا يمكن أن تبقى موازنات المؤسسات والهيئات المستقلة بعيدة عن عين الرقيب، في الوقت الذي تمر فيه البلاد بأسوأ أحوال اقتصادية منذ زمن بعيد، فالخزينة مثقلة بالديون والعجز، والمستهلك لا حول له ولا قوة، وتواصل تلك الهيئات إنفاقها الذي يشكل ثلث موازنة الدولة.
ثمة تساؤلات.. لماذا تبقى تلك الموازنات من دون رقيب؟ وما المقصود من وجود خاصرة رخوة في الرقابة على المال؟ وفي البحث عن الإجابات تجد العجب، فتلك الموازنات تقارب بليوني دينار، وتسبب هذا النمط المستحدث في الادارة الحكومية المحلية في تسرب كثيرين من أجهزة ومؤسسات الحكومة الى تلك الهيئات والمؤسسات بحثا عن راتب مغر، وهو ما جعل معظم تلك المؤسسات متنفسا لأصحاب النفوذ والواسطات والمحسوبيات.
ومما يثبت صدق الفرض السابق نظرة عامة على أسماء المعينين في تلك المؤسسات، أنها مؤسسات باتت، ولا أشك، عاملا من عوامل التفرقة وعدم المساواة داخل المجتمع الواحد، وأسماء الموظفين؛ لا سيما ذوي الرواتب العليا فيها، تعزز من نظرية أردنية مفادها "أن ابن الوزير سيصبح وزيرا، وابن الغفير سيبقى غفيرا"، وكأن تلك الهيئات "كوريدورا" خلفيا يتم من خلاله الهروب من رقابة ديوان المحاسبة والبرلمان وقوانين وتعليمات الحكومة، ويمكن فيه أن يعبر المسؤولون والمتنفذون عن أهوائهم الشخصية ويترجموا علاقاتهم المصلحية من خلال التعيين ومنح الرتب والدرجات والرواتب، ويضاف الى ذلك فتح طريق للفساد بما أن الرقابة داخلية، وهي التي تأتمر -كما هو معروف وحاصل فعليا- بأمر رئيس الهيئة أو المؤسسة.
أعتقد أن بقاء الحال على ما هو عليه ينذر بكارثة مالية أكبر بعد وقت قريب، فتلك المؤسسات والهيئات كثيرة وعددها 60 مؤسسة وهيئة، ولم تقدم الكثير للواقع الاقتصادي، بل على العكس، أسهم معظمها في العمل بنهج غير إصلاحي بعيدا عن الرقابة وسط تفشي المحسوبية والشللية وكل الاشكال التي تتعارض مع أنظمة الحكم الرشيد، وعلى الحكومة أن تكون جادة بالفعل في مسألة دمج تلك المؤسسات وتقليص عددها الى أقل حد ممكن، وعلى البرلمان أن يدافع عن قوته وأن لا يسمح أن يتم إنفاق البلايين بعيدا عن عينه.
أذكر أن رئيس الوزراء السابق نادر الذهبي، التقى قبل عامين برؤساء المؤسسات والهيئات المستقلة في محاولة حكومية متواضعة ودعائية لتقليص بذخ تلك المؤسسات، ولا أنسى أيضا أن اللقاء فشل، إذ تغيب عنه عدد من رؤساء ومديري المؤسسات، وراهن عدد كبير ممن حضر بأن الرئيس -وقتها- لن يقوى على دمج مؤسساتهم، وما إن انتهى الاجتماع، حتى بادر معظم الحاضرين الى إجراء اتصالات مع مسؤولين عاملين وسابقين بقصد إثارة النخب ضد توجه الحكومة وقتها.. وكان لهم ما أرادوا، كما تشير خواتم الأمور. المخجل فعلا أن بوابة القاعة التي جمعت الذهبي بتلك "القيادات"، كانت معرضا لأحدث أنواع السيارات، ويخال الناظر أنه أمام تجمع للأثرياء، فعشرات السيارات الفارهة يقف أمامها مرافقون وسائقون، وكل ما من شأنه الاشارة الى أنك لست في بلد تفوق مديونيته 11 بليون دينار وعجز موازنته 1.5 بليون دينار!
أراهن أن تلك المؤسسات لا تقوى على فتح سجلاتها أمام الرأي العام للكشف عن أسماء الموظفين فيها وحجم رواتبهم، فالسنوات الماضية شهدت تراكما وفسادا في التعيين بروح ملؤها المصلحة الضيقة والمحسوبية.
حسن احمد الشوبكي
المراجع
alghad.com
التصانيف
صحافة حسن احمد الشوبكي العلوم الاجتماعية الآداب