مع بداية أربعينية الشتاء وتزايد حدة البرودة قررت الحكومة رفع أسعار المحروقات بنسب وصلت الى 9 %، وبعدها بأسبوعين قررت ذات الحكومة إعفاء الكاز والسولار من الضريبة الخاصة، وتخفيض الضريبة على البنزين أوكتان 90 من 18 % الى 12 %، كما قررت ضخ 20 مليون دينار في المؤسستين الاستهلاكية المدنية والعسكرية إضافة الى سلسلة إجراءات أخرى تهدف الى إحداث فرق في صعود أسعار السلع والخدمات.
وبعيدا عن نقد القرار الأول والاحتفال بالقرار اللاحق، فإن قوة الاقتصاد ومتانته لا تتأتى إلا من خلال التفكير والتخطيط الاستراتيجي المبني على الأهداف الواضحة التي تتحرك في بيئة عمل ذكية لا دعائية فيها، ويتم فيها تحقيق الشراكة بين جميع أقطاب عملية الاستهلاك ودورة الاقتصاد، فالكل شركاء؛ حكومة وتجارا ومستهلكين في تحقيق أفضل أشكال الخدمة بأقل الأسعار الممكنة.
ومن ملامح التفكير العلمي المدروس لا "الفزعوي" الآني أن يتم تأسيس مجلس أعلى للأمن الغذائي في البلاد ويرتبط به مرصد للأسعار يتم من خلاله رصد حركة الأسعار وتشكيل رأي حيال علاقتها بالخارج ومدى ارتفاع وانخفاض كلفة الاستيراد وحاجة السوق، إضافة الى دراسة مدى تأثير رفع أسعار المحروقات على سلة واسعة من السلع والخدمات التي تؤثر على عموم المستهلكين لا سيما الفقراء منهم.
وتقتضي الصورة العلمية لا الانطباعية أن يجلس الشركاء معا لبحث ما هو مفيد وممكن بكل روح المسؤولية، لا أن يتفرد طرف بالقرار، فتارة يرفع الأسعار وأخرى يسعى لخفضها بعيدا عن أي تشاركية في القرار.
لم يتحدث أحد في الآونة الأخيرة عن جشع التجار، بل إن الحكومة نفسها عزت ارتفاع الأسعار الى تقلبات في الأسعار العالمية، والمعارضة من جانبها اعتبرت أن الغلاء عائد لسياسات الحكومة.
وبهذا فقد كان حريا بالحكومة أن تتفاعل في قراراتها مع التجار وتستخدم أساليب التحوط لفصل الشتاء وغيره؛ فالحكومة ليست تاجرا وهي لا تستورد إلا النزر اليسير مما يباع في السوق، وقراراتها الأخيرة بشأن المؤسسات الاستهلاكية تشكل جزءا من السوق وليس كله، فنسبة بيع الأرز في المؤسستين تشكل ما يقارب 40 % من إجمالي حصة السوق وهي أقل بالنسبة للسكر إذ تحوم النسبة حول 25 %.
لدى التجار أفكار بشأن سلع أخرى، فالدجاج المستورد مثلا الذي يخضع لرسوم جمركية بنسبة 25 % يباع حاليا في المؤسسات الاستهلاكية بأقل من كلفته وتتحمل الحكومة الفرق، فلماذا لم تغير الحكومة في تلك الرسوم وارتضت لنفسها بيع الدجاج المستورد بخسارة، ولماذا لا يتم وقف تصدير الدجاج المحلي من جهة ثانية؟ وثمة أسئلة أخرى ذات صلة بواقعية الرقابة على الأسعار وتثبيتها على بعض السلع الأساسية.
أسئلة كثيرة وأفكار عديدة وأدوار يمكن أن تجد طريقا الى التخطيط الاقتصادي السليم، ويجب أن يتم من خلالها تحمل كل جهة لمسؤولياتها وأن لا يتم التفرد بالتخطيط السريع والارتجالي كما هو حاصل في معظم الأحيان.
 وليس صحيحا أن يكون التجار "ديكورا" في المشهد التجاري والاقتصادي وهم طرف رئيس في حياة الناس سلبا أم إيجابا، والأهم مما سبق أن تتحقق سياسة واضحة حيال التغيير المستمر في أسعار المحروقات، فمن المعروف أن تلك السياسة تؤثر في حياة المستهلكين سلبا، وماذا ستفعل الحكومة إن ارتفع برميل النفط الى 120 دولارا في الشهور المقبلة؟!

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

جريدة الغد   صحافة  حسن احمد الشوبكي