لا توجد حلول سحرية بيد الدولة لسيل الاعتصامات التي تشهدها البلاد والتي تجاوزت المائة بغية تحقيق مطالب تخص قطاعات بعينها. وثمة تنوع مرعب في شكل ومضمون تلك المطالب، فهي تمس علاقة الفرد بالدولة كيفما نظرت اليها وتنطوي ايضا على فقدان الثقة ما بين الاول والثانية نتيجة سياسات التهميش التي اضاعت حقوق الاطباء والمعلمين.
ولعل الاصلاح هو الطريق الوحيد القادر على أن يوصل الجميع إلى بر الامان، فالاصلاح كوسيلة وغاية يسهم في تحقيق تكافؤ الفرص وتوسيع نطاق العدالة وتحقيق المساواة بين كل الاردنيين، وبغير الاصلاح فان اي حلول "ترقيعية" ستزيد من معاناة المواطنين وستعمق من أزمة الموازنة التي أقرت للتو بعجز كبير. ويجب أن يسير الاصلاح مع برنامج وطني ذي صبغة اقتصادية يهدف الى إعادة رسم علاقات العمل والانتاج والحقوق المالية بما يضمن للاقتصاد النمو وللافراد تحقيق الشعور بالنمو من حولهم وفق توزيع مكتسبات بطريقة مختلفة عما كان في السابق وصولا الى رجل الشارع. شروط العمل في الفترة المقبلة يجب ان لا تتجاوز محددات الرقابة الفاعلة وبما يفسح الطريق للنزاهة فعلا لا قولا، والنزاهة تقتضي ان تكون كل ايرادات الدولة خاضعة للموازنة وللرقابة، ورغم ان موازنات الهيئات والمؤسسات المستقلة لم تأت ضمن الموازنة التي أقرت، فالمأمول ان لا تكون الرقابة على تلك الموازنات شكلية وخارج نسق المحاسبة بالاستناد الى ان النظرة الى تلك المؤسسات يجب ان تكون باعتبارها مالا عاما لا يجوز لاي كان المساس به او الفساد من خلاله، لكن الامر ليس كذلك حتى لحظة كتابة المقال.
فثمة معلم ترقى بعد زمن طويل ليصل الى رتبة موجه، واخر جراح لا يرى خلال ساعات يومه الا غرف العمليات ويتساوى راتب الاثنين مع الراتب الشهري لسكرتيرة في احدى هذه المؤسسات – مع الاحترام لوظيفة السكرتيرة - واذا فتحنا ملفات تلك المؤسسات والهيئات على صعيد التعيين والرواتب والاسماء لوجدنا العجب العجاب، فهي – في معظمها – مراتع لابناء المسؤولين والمتنفذين والنواب واقاربهم، والعقود التي تمنح في جلها غير خاضعة للرقابة ولا سقوف لها، وفيها تتجلى صور انعدام العدالة وغياب المساواة وعدم تكافؤ الفرص.وربما تفتح الايام والاسابيع المقبلة ملفات تلك المؤسسات من خلال فتح بعض ملفات الفساد، وفي الحالتين سيتضح للرأي العام حجم الفساد الذي شهدته اروقة تلك المؤسسات في ظل غياب الرقيب على امتداد سنوات العقد المنصرم، والمأمول اليوم ان لا تبقى تلك المؤسسات محصنة وبعيدة عن هيئات الرقابة، والمأمول اكثر ان لا تكون الرقابة عليها شكلية، وارقامها تثير الذعر لأي محلل مالي فهي تنفق ثلث الموازنة ومديونيتها تقارب بليوني دينار ورواتب موظفيها تزيد على 300 مليون دينار، ناهيك عن فشل الاداء الذي يمس جانبا كبيرا من عمل تلك المؤسسات الا عددا قليلا منها.
لا يجوز بأي حال من الاحوال ان يتوزع الدخل في البلاد على نحو مشوه، فالطبيب الذي يعمل في وزارة الصحة وكذلك المعلم الذي افنى عمره في الحكومة لا يقلان شأنا بل هما اكثر اهمية في عملهما من موظف اداري متواضع في قدراته لكنه مدعوم في الواسطة التي جلبته الى موقعه في هذه المؤسسة المستقلة او تلك.
تكافؤ الفرص والعدالة في توزيع الدخل والمساواة بين كل الاردنيين معايير حقيقية لقياس مدى النجاح في الاصلاح الاقتصادي وكذلك مدى رضا الشعب عمن يحكمه، وبغياب تلك المعايير وغياب الرقابة عن المؤسسات المستقلة وغيرها ستزيد وتيرة الاعتصام والتظاهر وستتعمق ازمة الحكومة بل الحكومات في التعاطي مع تلك المطالب.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
جريدة الغد صحافة حسن احمد الشوبكي