عصي على الفهم أن يؤطر الإصلاح في بضعة نصوص أو قوانين وإن كان هذا الامر مهما، لكن الإصلاح بجوهره وحقيقته يعني تخليق حالة جديدة تتجاوز أخرى سابقة تم فيها استباحة الدولة والافراد، لصالح التفرد بالسلطة حينا وتعميق حضور الفساد حينا آخر.
مشهد الاقتصاد في بلادنا يعاني من تراكم التهميش والاقصاء والهيمنة، شأنه في ذلك شأن باقي القطاعات التي لم تسنح لها الفرصة للتعبير عن ذاتها الجمعية بشكل حقيقي، فتوارت تبعا لذلك خلف جدران التدخل والوصاية وسلوكيات سلبية اخرى ليست خافية على القارئ الكريم.
فالتعيينات على رأس أكبر المؤسسات المالية والاقتصادية على المستوى الرسمي، تتم وفقا لمرجعية لا علاقة لها بعمل هذه المؤسسة الاقتصادية أو تلك، ولعل الأمر اكثر سوءا في القطاع الخاص فثمة شبكة علاقات توصل البعض وتمنع آخرين من الوصول الى مستويات متقدمة في الإدارات العليا، حتى أمست مؤسسات اقتصادية وشركات محلية شبه مزارع خاصة يتم فيها استباحة كل شيء.
لا يمكن أن نفهم ايضا تلك الصورة النمطية الهزيلة بثوب ما تسمى "انتخابات" داخل الجسم الاقتصادي لا سيما العمالي، فرئيس اتحاد نقابات عمال الأردن يجلس على الكرسي منذ نحو عقدين، وبالامس القريب صرخ العمال على ابواب البرلمان مطالبين بتغيير تلك الصورة التي تعتبر تعيينا اقرب منها الى الانتخاب، وليست انتخابات غرف التجارة او الصناعة او القوانين التي تتم من خلالها تلك الانتخابات بأفضل حالا من الصورة النمطية الآنفة، ولذلك فإن معظم "النخب" التي تفرزها تلك الممارسات ليست على علاقة بروح الاقتصاد الجديدة أو الإبداع أو التفكير الجدي بهموم المواطنين والقطاعات التي يمثلونها.
اذا كان قانون الصوت الواحد قد تسبب بشلل سياسي للبلاد ومثله قانونا الاجتماعات العامة والاحزاب، فان القوانين التي تنظم عمل غرف الصناعة والتجارة وانتخاباتها والنشاط الاقتصادي، قد تسببت هي ايضا بتعطيل النمو الاقتصادي ومنعت روح الشباب والإبداع من التسلل الى صروحنا الاقتصادية تمهيدا لمنحها دورها المأمول، وظل الأداء الإداري والتمثيلي داخل الجسم الاقتصادي محكوما برضا هذه الجهة أو تلك، ومقيدا بهواجس الديمغرافيا خاصة في تمثيل تجار البلاد في غرفهم داخل وخارج العاصمة.
التضييق على السياسة بقوانين عرفية أقل أثرا من خنق الاقتصاد ومؤسساته وجعل رجال الاعمال ضعفاء لا حول لهم ولا قوة ومترددين وتابعين، وبسبب تلك الوصاية الرسمية والامنية بقي القطاع الخاص تابعا لا صانع سوق ومطلبيا لا مبدعا، ولم يشتبك هذا القطاع حتى اللحظة مع هموم وأنين المواطن الاردني الذي ينهش الفقر جسده، بينما تسجل كبرى الشركات والبنوك ارباحا خيالية، وكأن الاقتصاد وممثليه في جزر معزولة عما يحدث حولهم، والسبب لهم ولغيرهم بطبيعة ما حدث هو تكرس الوصاية عليهم.
في الاحزاب والجامعات ومؤسسات الاقتصاد في القطاعين العام والخاص وفي كل أوجه النشاط الاقتصادي والسياسي في البلاد المطلب واحد، وهو انهاء الوصاية على الآخرين وترك البلاد تتنفس حرية وليتقدم شبابها باتجاه الإبداع في كل أنماط الحياة.
مرة ثانية، الإصلاح ليس وصفة قانونية جاهزة انه مسار متكامل يبدأ بتحرير الآخر وانهاء الهيمنة أيا كان مصدرها، ومنح الطاقات المبدعة فرصة لتقول كلمة تأخرت كثيرا في ظل القوانين المؤقتة وتفرد السلطة وضعف البرلمانات وغياب الرقابة وهيمنة العصا الأمنية، ولعل الأردن من دول عربية قليلة يمكنها أن تحقق اصلاحا ذكيا في وقت سريع ومن دون كلفة او دماء.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
جريدة الغد صحافة حسن احمد الشوبكي