يرى بعض الحكماء والعقلاء وأدعياء الاتزان والوقار ، أن السفه أو السفاهة ، أمر مذموم وغير لازم ، وربما يجلب لصاحبه العار واللوم ، والحقيقة المريرة ، أن ما يجري في هذا العالم ، من أفعال يرتكبها سفهاء حقيقيون ، تدفع بالمرء للنبش في تراثنا وحضارتنا ، عن الدور "الدور الحضاري" للسفه ، فبعض ما يجري ، إن لم يكن كله ، في العراق أو فلسطين ، أو أفغانستان أو في غيرهما ، لا يدع للعاقل ملاذا إلا التفتيش في قاموسنا الحضاري ، عن مفردات تناسب مستوى السفه الذي نعيشه ، ففي فلسطين مثلا ثمة مجموعة من قطاع الطرق الخارجين عن قوانين الانسانية ، يرتكبون يوميا أعمالا وحشية ، لا يراعون فيها القيم الحضارية ، ولا يردعهم قانون دولي أو إقليمي أو تقاليد بشرية ، حتى إنهم حولوا البلاد إلى مسلخ مفتوح ، يفيض بالجرائم ، التي لاتستثني شجرا أو حجرا أو بشرا ، وفي العراق حولوا البلاد التي علمت البشرية الحضارة والحرف والكتابة ، إلى ساحة تكتظ بالرعب والدم والأشلاء ، ومن السفه هنا البحث عن لغة "الحكمة" لمخاطبة هذين الاحتلالين بل إن الحكمة الحقيقية تقتضي استيلاد لغة خاصة بهما ، تستند إلى القول الذي اشتُهر في نسبته للرسول محمد عليه الصلاة والسلام ، وهو يُنسب أيضا للامام علي كرم الله وجهه ، حين قال: هلك من ليس له حكيم يرشده ، وذل (أو خاب) من ليس له سفيه يعضده، وفي موقع آخر رُوي بصيغة "ذل قوم لا سفيه لهم"، ويُروى عن ابن عمر رضي الله عنهما ، أنه كان إذا خرج في سفر أخرج معه سفيها ، فإن جاءه سفيه رده عنه،.

كما يُروى عن الشافعي قوله: لا بأس بالفقيه أن يكون معه سفيه يُسافًهُ عنه ، وقيل ايضا: أعلم أن من الناس من يجهل إذا حلمت عنه ، ويحلم إذا جهلت عليه ، ويُحسن إذا أسأت اليه ، ويسيء إذا أحسنت إليه ، ويُنصف إذا ظلمته ، ويظلمك إذا أنصفته ، فمن كان هذا خلقه فلا بد من خـُلق ينصف من خـُلًقه ، ثم فجة تنصر من فجته ، وجهالة تفزع من جهالته ، ولا أب لك ، لأن بعض الحلم إذعان ، فقد ذل من ليس له سفيه يعضده ، وضل من ليس له حليم يرشده،.

سفهاء العالم كثر ، وهم يسوموننا سوء العذاب ، ظاهرا وباطنا ، سرا وعلانية.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  حلمي الأسمر   جريدة الدستور