جولة واحدة في أيٍ من مدن العراق اليوم ستروي للناظر قصة معاناة وتهميش وإقصاء اقتصادي وقبله سياسي بدأت فصولها قبل 8 سنوات ولا تستطيع اي جهة تتصدر المشهد في عراق ما بعد الاحتلال الاميركي ان تجيب على السؤال الاهم، ماذا حدث للانسان العراقي ولماذا؟
30 من سكان العراق دون خط الفقر، ومثل هذه النسبة تحوم حول ذات النسبة، بمعنى ان 60 من العراقيين يكابدون قسوة العيش. وبعيدا عن الارقام، فان الغالبية الساحقة من العائلات العراقية لا تحظى بالكهرباء طيلة ساعات النهار والليل، وثمة تضخم يتفاقم بشكل مستمر ترافقه أزمة سكن وارتفاع أسعار السلع والخدمات الاساسية وغير الاساسية ناهيك عن النقص الفاضح في الخدمات الصحية والتعليمية.
تساءل محتجون عراقيون بشأن ما آلت إليه بلادهم قبل بضعة أسابيع، ولم يستطع محافظ بغداد كامل الزيدي ان يجيبهم عندما اطلقوا سؤالا مفتوحا عن اسباب غياب الكهرباء عن بغداد، وسؤال الكهرباء مهم وحيوي في هذه اللحظة، فالعراق الذي سجل في التاريخ ثقافة وحضارة وإرثاً انسانيا كبيرا يريد له كثيرون وعلى رأسهم قوات الاحتلال الاميركي ان يكون مدفونا في العتمة.
ثماني سنوات عجاف على عمر الاحتلال الاميركي للعراق عانى تحت عبئها الانسان العراقي؛ اذ قتل اكثر من مليون عراقي.
وتفيد بيانات استطلاعات للشريك الثاني في قوة الاحتلال التي دمرت العراق (بريطانيا) ان 40 من الاسر في بغداد وحدها فقدت احد ذويها، كما ان نسبة 40 من القتلى اصيبوا بالرصاص الاميركي، ونسبة 21 قتلوا بسبب سيارات مفخخة، و8 قتلوا في غارات جوية، ونسبة 4 كانوا ضحايا لاحتراب طائفي واخرين قضوا في حوادث اخرى.
ومنذ الاحتلال تفاقمت الفوضى في قطاع النفط العراقي، فبينما يعتمد العراق بشكل شبه كامل على ايراداته من النفط فإن تقادم ادوات القطاع واجهزته والاعتماد الكامل على شركات تابعة لقوتي الاحتلال الرئيسيتين في ادارة هذا الملف الحيوي، فضلا عن النهب المنظم للقطاع، فإن الاقتصاد العراقي بذلك يفقد ميزته النسبية وتصبح نقمة عليه، وليس خافيا ان التشريعات التي أجرتها مؤسسات دولة ما بعد الاحتلال لم تقو من العملة العراقية بعد الاعتماد المفرط على الدولار.
ويقابل ذلك تفشي البطالة والفساد وسوء الادارة، حتى اصبح العراق مرتعا للفاسدين، فمنظمة الشفافية الدولية صنفت العراق كرابع اكثر دولة في العالم على مستوى الفساد في العام الماضي.
ولعل التصريحات الاخيرة لرئيس هيئة النزاهة في العراق، القاضي رحيم العكيلي، "ان الوزراء العراقيين يفضلون التغطية على الفساد في وزاراتهم لا مكافحته"، باعتبار ان تلك الوزارات ملكا لعائلاتهم ولا يوجد من يحاسب او يسأل، وفي الوقت الذي يحرم فيه طفل عراقي من الكهرباء واخر من الحليب "يحظى" المسؤولون وذوو المناصب العليا في الدولة بامتيازات خيالية ومبالغ فاقت الاصفار الستة، كيف لا والبيئة بكل ما فيها من عبث تحرض على الفساد؟
رياح التغيير تهب في الفضاء العربي وفي موازاتها تحرك رجل الشارع في كل دولنا الثكلى بالفقر والتهميش والتفرد بالسلطة والثروة.
وفي تقديري ان اكثر التظاهرات اهمية من بين كل ما شهدته العواصم العربية هي صرخات المعذبين في العراق، فالاحتلال ترك لهم قتلا وتشريدا وتهجيرا، وحكوماتهم المتعاقبة منذ الاحتلال اثخنت في سرقتهم، وبعد تلك السنوات البائسة، هل ثمة بؤس آخر من المفترض أن يواجهه العراقيون؟
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
جريدة الغد صحافة حسن احمد الشوبكي