الخبز والكرامة لا يفترقان لكل من علا صوته ضجرا من أنظمة أخفقت في تحقيق العدالة والمساواة، والشباب الذين أطاحوا بنظام أكبر دولة عربية في مصر وقبلها في تونس، يصرخون اليوم في سورية واليمن وليبيا احتجاجا على واقع قاس غابت عنه الحرية كما غاب الخبز.
الخصم المباشر للشباب العربي هو الفساد ورموزه وسوء توزيع الثروة وتسيد الأجهزة وقبضة الأمن على حساب القانون والمواطنة، وما سواها من مفاهيم مدنية، والصراخ هو ذاته في غير عاصمة عربية الذي يطالب بعيش كريم وفضاء مشبع بأوكسجين الحرية، فيما تبقى الأنظمة التي أخفقت اقتصاديا وسياسيا سائرة في درب الإخفاق امنيا، بعد اعتقادها ان كوارث الاقتصاد والسياسة التي تراكمت عبر عقود تحل من خلال اطلاق النار في وجه من خرج ليسمع صوته للعالم.
الناس لا تخرج للشوارع ترفا، وملايين الشباب السوري الذين يجوبون شوارع درعا وباقي المدن السورية وقبلهم شباب حفيت اقدامهم وهم يطالبون برحيل النظام اليمني الذي كان سببا في تردي حياتهم الاقتصادية والسياسية بل والاجتماعية، ومثلهم آخرون في كل الجغرافيا الليبية بعد ان استمرأ النظام ولجانه الشعبية خداع الليبيين وسرقة مقدراتهم ونفطهم عبر تاريخ حكم بائس بامضاء العقيد.
قبل احتجاجات السوريين كانت دراسات الهيئة السورية لشؤون الاسرة، تؤكد أن ثلث الشباب يفكرون ويرغبون بالهجرة من بلادهم بحثا عن فرصة عمل وحياة في البلاد البعيدة، بعد أن فتحت بلادهم ذراعيها لحفنة من المقربين والفاسدين واوصدت دونهم كل الابواب، وتتركز الرغبة في الهجرة لدى ذوي الدخل المتدني لا سيما في الفئة التي يحصل الفرد فيها على اقل من 180 دولارا شهريا، ووسط هذا الغلاء المتفشي في كل المدن العربية، فكيف يستطيع رب أسرة ان يصمد ويتكيف ويحقق مع مبلغ متواضع كهذا المبلغ؟
يتطلعون الى الهجرة، وسورية تتمتع بميزات استثنائية – لو نجح الحكم فيها – تجعلها منافسة حقيقية لأي اقتصاد متقدم، لكن الوضع الاقتصادي بائس بعد ان عززت الدولة من سلطة الاجهزة على حساب كرامة وخبز الشعب، وانتهى الأمر الى بلد يعد نموذجا صارخا في تفشي الفساد وسوء توزيع الثروة، والى معدل الفقر يقفز فوق 50 % من اجمالي السكان البالغ عددهم 23 مليون نسمة فيما معدل البطالة يتصاعد لاعلى من 15 %، ورأينا ان كل محاولات السلطة في سورية منذ العام 2000 لتجميل الواقع وادخال تحسينات شكلية على واقع حياة السوريين لم يغير من الحقيقة شيئا، وهي أن المواطن السوري يفتقر الى ابسط حقوق العيش الكريم ناهيك عن ان حريته سلبت منه منذ امد بعيد، وظل يهمس طويلا حتى حانت لحظة الصراخ.
كان النظام البوليسي المخلوع في تونس يناور في ذات المساحة التي يناور فيها حاليا النظام في سورية، فلا بأس ببعض الجهد الاقتصادي والدعم الرسمي وبطاقات التموين وخلافه وفي المقابل ليس مسموحا للمرء ان يفتح فمه الا عند طبيب الاسنان، لكن "النموذج" التونسي هوى واعتقد أن مثيله سيسقط، فالتحايل على مصائر الشعوب لا بد وان ينتهي تمهيدا لاسترداد الشعب لكرامته وحريته وخبزه.
هذه الدماء التي تسيل في سورية ثمن لحرية قادمة وعيش كريم مأمول، ومثلها دماء سالت في تونس ومصر وليبيا واليمن، وثمة من نأى بنفسه عن تلك الدماء ومضى في درب الاصلاح وتحسين حياة ابناء شعبه، وبالعودة الى امير الشعراء الذي اطلق صرخة "دم الثوار تعرفه فرنسا وتعلم انه نور وحق" والمأمول اليوم ان تعي الانظمة واجهزتها ان هذا النور وذاك الحق ماضيان في طريقهما لاختراق العتمة التي عاثت خرابا في تفاصيل حياة الانسان العربي.

 

حسن احمد الشوبكي


المراجع

alghad.com

التصانيف

صحافة  حسن احمد الشوبكي   العلوم الاجتماعية   الآداب