لدينا مهارات استثنائية في عقد الورش والندوات وتشكيل اللجان والمجالس والهيئات لبحث أمراض مزمنة في الاقتصاد والسياسة والمجتمع، ودائما تأتي النتائج مخيبة للآمال، فتداعيات الحالة المعيشية على الفقراء وجيب المواطن وعموم الاقتصاد بشقيه العام والخاص لا تخفى على أحد.
الحكومة بارعة في تشكيل اللجان من دون جدوى، وتعتقد أن تشكيل أي لجنة سبيل للإنقاذ، فثمة لجنة لدراسة أسباب العنف وأخرى لتحفيز الاستثمار وثالثة للحوار الاقتصادي وغيرها الكثير، ولا تخلو اجتماعات تلك اللجان من ابتسامات لعدسات الصحافة يتلوها غداء أو عشاء عمل ثم "تتبلور" التوصيات التي تأتي في مجملها عامة وليست ذات شأن كبير وأقرب الى التشخيص منها الى معالجة الأمور كما هي على الأرض.
ولا أقلل هنا من شأن أعضاء لجنة الحوار الاقتصادي التي اختتمت أعمالها أول من أمس بتوصيات لم تلامس، وفق تقديري، ما يحتاجه بالفعل الاقتصاد المحلي لكي يخطو خطوات جدية على صعيد التحسين والتطوير وتجاوز عنق الزجاجة.
تذهب التوصيات في سياق تحريك جمود السياسة النقدية والمصرفية الى كلام فضفاض يتعلق "بتسهيل أعمال البنوك الإسلامية وتعزيز دورها بالاستثمار "وأبعد من ذلك" عدم تمثيل البنوك التجارية في عضوية مجلس إدارة البنك المركزي منعا لتضارب المصالح"، وكأن حل المعضلتين الآنفتين سيكون سببا في تحريك السيولة في السوق وإقالة عثرة ما تعثر في السنوات الأخيرة.
الأسئلة المباشرة لم تجب عنها لجنة الحوار الاقتصادي، ويبدو أن الحكومة تغض الطرف عنها أيضا، فالبنوك لم تستجب لكل نداءات البنك المركزي وأسعار الفوائد على حالها مرتفعة الى مستويات عالية وينوء عن تحملها كبار العملاء فما بالك بالصغار؟، وكلفة تشغيل الأموال مرتفعة في الأردن ولا يوجد لها نظير في المنطقة، بينما تحقق البنوك أرباحا استثنائية وتخسر بقية الشركات والمؤسسات الكبيرة والصغيرة، ويواجه سوق العقارات جمودا مرده النقص الحاد في السيولة.
لم تجب اللجنة عن التحديات السابقة، كما تحدثت عن الاستثمار بتعميم مفرط من خلال "توحيد الحوافز الاستثمارية لتجنب تشتيت وإرباك المستثمرين"، وأؤكد للقارئ الكريم أنني نشرت قبل عقد ونصف متابعة صحافية جاء فيها ما جاء في توصية اللجنة بشأن الاستثمار، وبما يدل أن لا توصيات تنفذ ولا ما يحزنون.
الخوف كل الخوف أن تكون أعمال ونتائج اللجان بمثابة تمهيد لقرارات اقتصادية قاسية هذا الصيف، فأسعار المشتقات النفطية وبعدها أسعار المواد الغذائية في البلاد تشهد تصاعدا ملموسا ولا يمكن للمواطن بقدراته الحالية أن يواجه نقص إمدادات الغاز أو ارتفاع أسعار المحروقات.
يحتاج الاقتصاد الى خريطة طريق في معظم ملفاته، ومن الأجدى أن توضع خريطة لملف واحد، وبعد إنجازها ننتقل الى آخر وفق استراتيجية مدروسة ومعلومة، أما أن نراوح في المربع ذاته وتمضي السنوات من دون تغيير حقيقي، فهو ما يعد غير محمود، فكلما تأزمت الأوضاع الاقتصادية نلجأ الى تلك الورشات والندوات واللجان وتنتهي أعمالها ببيان يتحدث عن كل شيء ولا يحل مشكلة واحدة مستعصية.
لا تلام الزميلة جمانة غنيمات ولا الزميل سلامة الدرعاوي بعد انسحابهما من لجنة الحوار الاقتصادي، ولمن أراد تغيير الحالة الراهنة فالطريق واضح ولا حاجة لمزيد من اللجان.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

جريدة الغد   صحافة  حسن احمد الشوبكي