تطل علينا فتوى إرضاع الكبير من جديد ، على لسان أحد علماء السعودية هذه المرة ، بعد أن أطلقها عالم مصري ، وفي كلتا الحالتين ، أثارت الفتوى ما أثارت من أذى بالإسلام وأهله ، وآل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم ، وتحدث بها من تحدث من المواقع ، وشاعت على نحو مؤذ ، وهي مثال للكلمة التي يطلقها فقيه أو عالم على نحو عفوي ، أو في سياق عابر ، فيلتقطها الإعلام وصائدو الكلمات ، وتبدأ الدندنة والعزف ، ويدخل على الخط من يهرف بما لا يعرف من شؤون ديننا ، بحسن أو بسوء نية،.

وقد أمضيت ساعات طويلة في البحث والتأمل في هذه المسألة ، وخرجت بخلاصة مؤداها إن جمهور العلماء يُنكر هذا الأمر ، مع وجود من خالف ، وقد سئل الشيخ صالح الفوزان: ما حكم إرضاع الكبير؟ وما هو حرمته؟ وما الراجح في هذه المسألة فأجاب إن إرضاع الكبير: هو إرضاع من عمره فوق الحولين: لقوله تعالى: (وَالوَالًدَاتُ يُرضًعنَ أَولاَدَهُنَّ حَولينً كَامًلَينً لًمَن أَرَادَ أَن يُتًمَّ الرَّضَاعَةَ) البقرة: 233 ، وحكمه أنه لا يجوز ، ولو وقع: فإنه لا ينشر الحُرمة عند الجمهور.

وفي هذا يقول العلماء ، إنه لا يثبت التحريم برضاع الكبير ، في قول جمهور الفقهاء ، وإنما الرضاع المعتبر ما كان في الحولين ، وقد روى الترمذي وابن ماجه عَنْ أُمًّ سَلَمَةَ رضي الله عنها إنها قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهً وَسَلَّمَ : (لَا يُحَرًّمُ مًنْ الرًّضَاعَةً إًلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ فًي الثَّدْيً ، وَكَانَ قَبْلَ الْفًطَامً) قَالَ أَبُو عًيسَى الترمذي : هَذَا حَدًيثّ حَسَنّ صَحًيحّ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عًنْدَ أَكْثَرً أَهْلً الْعًلْمً مًنْ أَصْحَابً النَّبًيًّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهً وَسَلَّمَ وَغَيْرًهًمْ أَنَّ الرَّضَاعَةَ لَا تُحَرًّمُ إًلَّا مَا كَانَ دُونَ الْحَوْلَيْنً ، وَمَا كَانَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنً الْكَامًلَيْنً فَإًنَّهُ لَا يُحَرًّمُ شَيْئًا. والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي ، وروى البخاري ومسلم عن عَائًشَةَ رَضًيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبًيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهً وَسَلَّمَ وَعًنْدًي رَجُلّ قَالَ: يَا عَائًشَةُ ، مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ: أَخًي مًنْ الرَّضَاعَةً ، قَالَ: (يَا عَائًشَةُ ، انْظُرْنَ مَنْ إًخْوَانُكُنَّ ، فَإًنَّمَا الرَّضَاعَةُ مًنْ الْمَجَاعَةً) وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: "وَالْمَعْنَى : تَأَمَّلْن مَا وَقَعَ مًنْ ذَلًكَ هَلْ هُوَ رَضَاع صَحًيح بًشَرْطًهً: مًنْ وُقُوعه فًي زَمَن الرَّضَاعَة ، وَمًقْدَار الًارْتًضَاع ، فَإًنَّ الْحُكْم الَّذًي يَنْشَأ مًنْ الرَّضَاع إًنَّمَا يَكُون إًذَا وَقَعَ الرَّضَاع الْمُشْتَرَط ، ومَعْنَاهُ: اُنْظُرْنَ مَا سَبَب هَذًهً الْأُخُوَّة ، فَإًنَّ حُرْمَة الرَّضَاع إًنَّمَا هًيَ فًي الصًّغَر حَتَّى تَسُدّ الرَّضَاعَة الْمَجَاعَة.

وروى مالك في الموطأ عن نافع أن ابن عمر رضي الله عنه قال: (لا رضاعة إلا لمن أُرضع في الصغر ، ولا رضاعة لكبير) وقال ابن قدامة رحمه الله في المغني: "من شرط تحريم الرضاع أن يكون في الحولين. وهذا قول أكثر أهل العلم ، روي نحو ذلك عن عمر وعلي وابن عمر وابن مسعود وابن عباس وأبي هريرة ، وقال أبو حنيفة: يحرم الرضاع في ثلاثين شهرا: لقوله سبحانه : (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا). ولم يرد بالحمل حمل الأحشاء: لأنه يكون سنتين فعلم أنه أراد الحمل في الفصال ، وقال زفر : مدة الرضاع ثلاث سنين.

هذا هو رأي غالبية العلماء ، أما الذهاب إلى الغريب من الفـتـاوى ، والـوقـائـع ، المختلف فيها ، فهو مدعاة لإشاعة الـفـوضـى والفتن ، وما كل ما يُعلم في الدين يّقال ، فمن شأن هذا أن يـنـشـر الـبـلبلة ، ويـعـطـي الـمـتـربصين من الكتبة فرصة لـلـنـيـل مـن ديـنـنـا ، ليـفـتـنـوا مـن بـقـلـوبـهـم مرض ، أو من هم مـن الـجـهـال، ولـمـن أراد الاستزادة عليه بالرجوع إلى هذا الموقع (http://www.islam-qa.com/ar/ref/51158) ففيه إشفاء للغليل ، وجواب على من اتخذ هذه المسألة طريقا للسخرية والمسخرة ، خاصة من تحدث عن إرضاع الكبير عن بعد ، بأن يأخذ من الحليب المعني بغير إرضاع مباشر ، ولم يبق أن يقول هؤلاء إلا بالإرضاع عبر البلوتوث ، أو الإيميل،.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  حلمي الأسمر   جريدة الدستور