حتى لا تصبح الجغرافيا البعيدة عن عمان أطلالا نتباكى عليها مع بداية كل صيف، صرخ أبناؤها طلبا للعدل ولتجاوز خطة التهميش التي مضى عليها عقود، هي أطلال بالنسبة لأبنائها التي هجروها منذ سنوات وهي أقل من ذلك بالنسبة للمسؤولين التي يصلونها لغاية تسجيل الابتسامات أمام عدسات الصحافة والعودة سريعا الى أرائكهم في العاصمة.
ليس صحيحا أن ساكني عمان والزرقاء وبعض المدن المكتظة هم رأس الحربة في مشروع المطالبة بالإصلاح، ثمة ما يشير إلى أن الصرخات التي تأتي من الطفيلة ومعان والكرك وعجلون وجرش والمفرق ومادبا وسواها أكبر شأنا وأكثر واقعية، وما حراك الشارع في معان وذيبان ومختلف مناطق الكرك وصرخة الطفيلة المدوية الجمعة الماضية وما قبلها إلا دلائل على أن المهمشين لن يقبلوا بعد اليوم أن يستمر التعامل معهم بوصفهم عابرين لا قيمة لهم ولا وزن.
يزور مسؤول ما محافظة فقيرة هكذا درجت العادة، وتمر السيارات الفارهة المرافقة له فوق شوارع شبه معبدة وسط ترحيب "حار" ويمكن للمسؤول أن يشتم رائحة الفقر لو تكرم بفتح زجاج نافذة سيارته لكنه لا يفعل، ويمضي إلى مهرجان خطابي يمجد الحكومة – أي حكومة – ويكون برفقة المسؤول عادة محسوبون على الحكومات ممن آثروا مناصب وفسادا، وتستمر حملة المديح والوعود الكاذبة يتلوها غداء ليس من بين المشاركين فيه فقراء المكان، وما هي إلا دقائق ويكون المسؤول قد أخرج السيجار الفاخر وهو يلوح بيده إلى المهمشين إيذانا ببدء رحلة العودة إلى عمان، ويظل الحال على بؤسه ويظل أنين الفقراء وفقر الدم في عروقهم حبيس حدقات العيون.
وحتى لا يستغرب من هم في عمان حدة الصوت المطالب في الإصلاح القادم من الأطراف عليهم أن يقرأوا بعناية نتائح مسوحات الفقر، ففي الوقت الذي فيه مستوى خط الفقر العام 13.3 % في الأردن، تجد أن محافظة المفرق تصدرت أعلى نسبة من حيث عدد السكان الذين ينفقون أقل من مستوى خط الفقر العام في البلاد وبلغت نسبتها 31.9 %، ثم معان بنسبة 24.2 % فالطفيلة بنسبة 21.1 %، ثم جرش 20.3 % وصولا إلى البلقاء بنسبة 19.7 %.
تلك نسب مرعبة لكل ذي عقل، والصمت عليها يعني أن المخططين ليسوا معنيين بما يحدث في الأطراف، إذ تتردى البنية التحتية وتغيب فرص العمل، بل إن كثيرا من معطلي الإصلاح ينظرون إلى الأطراف باعتبارها الملاذ السهل للدولة بغية الحصول على موقف مؤيد لها في مواجهة من ينتقد المسار الرسمي ويطالب بالإصلاح، ويمضي مناوئو الإصلاح في ذلك من خلال اللعب على الغرائز، واستخدام بعض شرائح المجتمع على نحو مخجل، وكأن هذه المحاولات الساذجة تصلح بعد هذا الربيع العربي الذي يملأ الدنيا، وفي نهاية الأمر من هو مهمش سيسعى لرفع التهميش عن نفسه لا تدبيج الكلام والولاء بصيغه الخادعة.
الغضب الذي ملأ الفضاء في الطفيلة قبل خمسة أيام وقبله في الكرك ومعان وذيبان وفي كل بقعة أردنية خارج العاصمة، يعزز فرضية أن تهميش الأطراف سيكون سببا في الإطاحة بأي حكومة لا تلتفت إلى الفقراء ودافعا مباشرا لتحقيق الإصلاح لأولئك الذين نستهم الدولة أو تناست معاناتهم واستعاضت عنها بزيارات لا تسمن ولا تغني من فقر وجوع.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
جريدة الغد صحافة حسن احمد الشوبكي