ثمة سيناريوهات محزنة ومخجلة انطوى عليها ملف الكازينو بكل ما فيه من ارتجال وتسويف في عملية اتخاذ القرار وما رافقه بعد ذلك من تهرب المعنيين من مسؤولياتهم وصولا الى حجم الفساد المزدوج بين سلطتين؛ الأولى يئن شعبها تحت فقر شديد، والثانية تعاني -أو المفترض أنها تعاني- من أطول احتلال في التاريخ المعاصر.
أكثر ما يحز في النفس تلك السمعة السيئة التي جلبها هذا الملف للاقتصاد الأردني منذ مطلع العام 2007 وحتى اليوم، حتى انتهينا الى اتهامات متبادلة بين وزراء ورئيسهم، وتشكيك طرف ضد آخر وتهرب من تحمل المسؤولية التضامنية لمجلس الوزراء الذي بقيت اتفاقية الكازينو بعهدته لما يقارب شهرا كاملا، ناهيك عن الخوض في تفاصيل الاتفاقية لفترة تفوق نصف عام، ويبدو أن العام 2007 عام محزن ومخجل؛ ففيه زورت الانتخابات البلدية وكذلك النيابية وعلى امتداد شهوره الثمانية الأولى كانت مأساة الكازينو تتحرك على نحو مربك للاقتصاد وسمعته، كان عاما مخجلا بامتياز. من الواضح، وكما تفيد البيانات والوثائق، أن رئيس الوزراء معروف البخيت قبل أربع سنوات كان يعلم بتفاصيل الاتفاقية ومعه مجموعة من الوزراء الذين صمتوا في اجتماع مصغر أواخر شهر آب (أغسطس) من العام 2007، وكأن صمتهم هذا يعفيهم من المسؤولية عن اتفاقية أضرت على نحو بالغ بالاقتصاد الوطني، وكانت لإلغائها وما ترتب من شروط جزائية تبعات قانونية ومالية كانت البلاد في غنى عنها لو كان مسار الحكومة شفافا وقتها، ولكن السبب ذاته الذي عاث في الانتخابات أسهم في تمرير مشروع الكازينو من دون عناء.
وفي سياق مسرحية العام 2007، وعلى طريق استدراج عروض إنشاء الكازينو، تم الاتفاق مع محمد رشيد المستشار الاقتصادي للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، لكن المستشار خاف من كشف ثروته بعد أن طالبت منظمة التحرير الفلسطينية بأموالها وتم توقيف المشروع لحين حل تلك العقبة، وغيره كثيرون ممن اعتلوا مسرح البلاد وتسببوا لنا جميعا بإرث فاسد، ما يزال يلقي بظلاله السوداء على حياتنا واقتصادنا سمعة وخسارة وفسادا. وفي الوقت الذي وجدت فيه الحكومة ترفا لبحث ملف الكازينو من دون تحمل المسؤولية آنذاك، كان جميع أعضاء الفريق الوزاري يعرفون بمخالفة الكازينو للدستور، وفي الوقت ذاته كانت جيوب الفقر تتزايد في بلادنا، وبينما كانت محنة الشعب الفلسطيني تتفاقم بفعل الاحتلال وشروط تبعيته، وجد مسؤولون في السلطة الفلسطينية في ملف الكازينو ملاذا سهلا للفساد والإفساد، ما هذا المسار الذي درج عليه هؤلاء، ولماذا تتكاثر مثل هذه السلوكات، وأين الشعب الأردني ونظيره الفلسطيني من هذا كله؟
عرى ملف الكازينو، على نحو لا لبس فيه، هزل المسؤولين في بلادنا ومن حولنا، وعدم تحملهم لمسؤولياتهم التضامنية، وغياب الولاية العامة عن الحكومة ورئيسها، وعدم احترام بعض المسؤولين للدستور ومضامينه، والأكثر خطرا أن ما جلبه الملف من سمعة سيئة للأردن طيلة السنوات الأربع الماضية لم يكن في حسبان من كانوا يعبثون بهذا الاقتصاد حتى وصلنا الى نتيجة المواطن الأردني الخاسر الأكبر فيها. أهم درس يمكن الاستفادة منه ونحن نواجه فضيحة الكازينو أن الولاية العامة للحكومة مطلب رئيس في سياق الإصلاح الذي يرنو اليه الشعب الأردني بأطيافه ونخبه كافة، وهي ولاية تعزز من شفافية العمل وتجعل المسؤولية محصورة في رئيس الوزراء ووزرائه، وعكس ما سبق ستنتج حكومات هشة لا تملك من أمرها شيئا وتكون مطية لملفات كهذا الملف وانتخابات مزورة وغيرها من الملامح التي تضعف الحكومة وتجعلها آخر من يعلم، وفي الوقت ذاته غير مسؤولة عما تقترفه يداها.
تزوير مزدوج في الانتخابات وفساد وتجاهل للدستور في ملف الكازينو العام 2007، ومضت الحكومة آنذاك من دون محاسبة لأنه لا حول لها ولا قوة كما كانت تقول،  أي عبث أكبر من هذا؟

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

جريدة الغد   صحافة  حسن احمد الشوبكي