رغم الإصرار على أن شيئا لم يتغير، وأن العاصمة تمر بظروف عادية، وأن التكيف مع الحالة الراهنة ممكن، إلا أن تلك الدعاية الرسمية السورية تصطدم بحقائق اقتصادية مرة ليس أقلها هروب الأموال وانهيار كامل لقطاعات كانت حتى وقت قريب تغذي عصب الاقتصاد السوري.
ثمة تأكيدات أن حجم الأموال والاستثمارات التي رحلت خلال الأشهر الثلاثة الماضية تخطى 20 بليون دولار، وهو رقم كبير بالنسبة للاقتصاد السوري الذي بدا جاذبا للرساميل الخارجية قبل خمس سنوات فقط باعتبار أن الدولة كانت تسيطر على كل مفاعيل الاقتصاد، وهو ما تغير شكليا عقب إصلاحات طفيفة حدثت في العام 2006 وشملت السماح بفتح حسابات بالعملات الأجنبية وإنشاء بنوك خاصة، وما تبع ذلك من بدء عمل البورصة، بيد أن تلك الإصلاحات هوت وذهبت مع رياح الأموال التي هربت مجددا بفعل القتل الممنهج الذي تقوده الدولة ضد مواطنيها. وفي قراءة عاجلة لحال الاقتصاد السوري، فإن قطاع السياحة الذي ظل خزانا رئيسا للاقتصاد قد مني بضربات موجعة وفي الوقت الذي قدم فيه هذا القطاع نحو 7 بلايين دولار السنة الماضية، فإن رصيد القطاع منذ بدء العام وحتى اليوم صفر عقب غياب الموسم السياحي عن المصايف والمواقع والكنوز الأثرية والطبيعية في سورية، بعد أن علا صوت رصاص قوات الجيش وشبيحة ماهر، وارتفع أكثر من صوت الرصاص، هذا صوت الثورة السورية المطالب بالحرية والكرامة والخلاص من نظام لم يمنح السوريين فرصا حقيقية للحياة.
ومع طول أمد الثورة فإن عددا كبيرا من تجار حلب ودمشق بدأ ينفض يديه من النظام، وهو ما يشكل تحولا يمكن القياس عليه لا سيما بعد أن قام كثير من الصناعيين بإغلاق مصانعهم وطرد العمال وسط ضيق المدى وتعذر وجود البدائل، وهنا بيت القصيد، إذ إن رؤوس الأموال تلك تربط كثيرا بين ما يجري على الأرض السورية وفقا لمصلحتها الخاصة، وفي معادلة بسيطة تبدو النتائج مخيبة لآمال أصحاب رؤوس الأموال تلك، فالنظام ماض في استخدام القتل سبيلا إلى وقف الثورة، بينما تتزايد الثورة في أعدادها وتمثيلها الجغرافي والقطاعي.
صحيح أن عددا من التجار والصناعيين كان يبدي حتى وقت قريب تقاربا مع النظام السوري، لكن هذا التقارب لا يصمد أمام التحولات الاقتصادية الحادة والشلل الذي تمر به البلاد، وبما يعني أن هؤلاء لن يحافظوا على ذات الموقف، وأنهم سينحازون إلى مصالحهم وأعمالهم التي واجهت تقلبات عنيفة في الأشهر الأربعة الماضية من عمر الثورة السورية.
صندوق النقد الدولي ومعظم مراكز الدراسات العالمية التي هبط في حساباتها تقييم مستوى الاقتصاد السوري حاليا، تؤكد أن الوضع سيئ جدا، وأن ورقة الاقتصاد ربما ستكون صاحبة القول الفصل بشأن مصير النظام الذي يترنح منذ عدة أسابيع ويواجه شبح السقوط في كل ساعة، ولا تنفع محاولات النظام في الوقوف من جديد رغم تنوع أشكال الدعم الإيراني له بما فيها الدعم الاقتصادي، كما أن محاولات المصرف المركزي السوري تشديد قبضة الدولة على احتياطي العملات الأجنبية ليست ذات شأن، خصوصا وأن الليرة السورية منيت بتقلبات واسعة منذ اندلاع الثورة .
 الانهيار الاقتصادي واضح في المخزونات والمدخرات والاحتياطيات، وفي هروب الاستثمارات والأموال العربية وحتى السورية، ولا أدل على هذا الانهيار من الشلل الذي لحق بقطاعات تجارية وصناعية وسياحية، يضاف إليه تفشي الفقر أكثر من ذي قبل، وانحسار أدوات النظام في مواجهة كل ذلك، وبعد استمرار حمام الدم في سورية قد يكون الاقتصاد ورقة ضغط حقيقية لفرض واقع جديد لا يمكن للنظام بموجبه أن يصمد طويلا.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

جريدة الغد   صحافة  حسن احمد الشوبكي