تحاول الشركات والانشطة الاقتصادية عموما ان تنأى بنفسها عن السياسة حتى لا تتعرض للتقلبات والهزات التي تنطوي عليها السياسة.
وتتخذ مؤسسات اقتصادية كبرى من الحذر سبيلا للحد من تورطها في مواقف تأتي عليها بالخسارات المالية.
وفي مقابل هذا الموقف الحذر ثمة من لا يأبه ويغامر اقتصاديا وسياسيا وقبل ذلك اخلاقيا في سبيل مزيد من الارباح حتى لو على حساب قتل الاطفال وادامة الاحتلال وسرقة حقوق الغير.
من هذه الفئة الاخرى تبرز في مشهدنا الاقليمي شركة "الستوم" التي تعمل في مجال السكك الحديدية ومقرها فرنسا وتوظف نحو 94 الف شخص في 100 دولة، وتنشط في تجهيز أسرع القطارات وخطوط المترو على مستوى دولي ضمن مبيعات فاقت العام الماضي 21 مليار يورو. الخزي والادانة في نشاط هذه الشركة يتركز في كون "الستوم" شريكا استراتيجيا للاحتلال الاسرائيلي في تنفيذ قطار القدس، هذا القطار الذي تنفذه الحكومة الاسرائيلية في القدس الشرقية المحتلة لربطها مع الجانب الغربي من المدينة والمستوطنات القائمة في القدس وما حولها ويخدم مائة الف مستوطن يوميا في مستوطنات "بسغات زئيف" و"معالوت دافنا". ما يدعو للحيطة والانتباه ان لا تتخذ اي من حكومات الدول العربية والاسلامية قرارات تسهل عمل هذه الشركة لا سيما وانها تحاول منذ وقت غير بعيد وعبر دعم مباشر من قبل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الحصول على عطاءات في دول عربية. استوقفتني جهود اوروبية حقيقية حاسبت وتحاسب هذه الشركة، فصندوق التقاعد الوطني السويدي اوقف التعاون من "الستوم" لدورها في تكريس احتلال القدس الشرقية، ومثلها بريطانيا؛ اذ استبعد مجلس بلدي "ايلينغ" في لندن شركة "فيوليا" الفرنسية وهي شريكة "الستوم" من عطاء كبير بسبب شراكة فيوليا في قطار القدس وهو ما يخالف القوانين والمواثيق الدولية، وكذلك جهوداً المانية وفرنسية تخوضها جمعيات حقوقية ومنظمات اهلية بسبب مشاركة "الستوم" في تنفيذ مشروع قطار القدس. وفي ذات الجهد، وجهت الحملة رسالة الى الملك عبدالله بن عبدالعزيز خادم الحرمين الشريفين تطالب فيها بمنع هذه الشركة التي تسهم في تهويد القدس من المنافسة على مشروع قطار الحرمين بين مكة المكرمة والمدينة المنورة، علما ان "الستوم" قدمت عطاء للمشاركة في قطار الحرمين وتنافس في ذلك شركة اسبانية، ومن المهم الاشارة الى ان ساركوزي بكل ما أوتي من قوة دبلوماسية وسياسية يحاول تمرير عطاء هذه الشركة من خلال اتصالات لم تتوقف مع الجانب السعودي.
ولا يخفى على الجميع ان السعودية لا تسمح بتمرير هكذا عطاء؛ فالملك فيصل بن عبدالعزيز- رحمه الله - استصرخ العرب والمسلمين من اجل حماية القدس ومواقفه مشرفة في هذا المجال، وظل الموقف الرسمي السعودي مواجها لكل مشاريع تهويد المقدسات، ولا يعقل ان يسمح بأن تقوم شركة تحمل تلك السمعة السيئة بربط الحرمين الشريفين بمبلغ 15 مليار دولار.
مشاريع "الستوم" في العالم العربي كثيرة للاسف، فهي تنافس على عطاء ربط الحرمين الشريفين، ووقعت اتفاقية تنفيذ مترو بغداد بمبلغ 1.5 مليار دولار، وجددت لها اتفاقية تنفيذ قطار "تي جي في" في المغرب وفازت بعطاء محطة توليد التبين للكهرباء في مصر بمبلغ مائة مليون دولار كما فازت "الستوم" العام الماضي بعطاء ادارة الطاقة الكهربائية في الكويت بمبلغ 20 مليون دولار. الحملة الاوروبية لمقاطعة "الستوم" تحمل اسم كرامة، ولعل من ابسط شروط الكرامة ان لا نمنح ارباحا وفيرة وان لا نكافئ من يقوم بتهويد القدس ويعزز من قسوة الاحتلال الاسرائيلي ضد الفلسطينيين، والامر برمته يستحق منا شعوبا وحكومات وقفة أخلاقية.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
جريدة الغد صحافة حسن احمد الشوبكي