قلت للسيدة مارلين الأطرش، التي تنفذ هذه الأيام مبادرة تستهدف تعزيز السلوك الإيجابي في المجتمع اسمها "هيك أحلى"، باستخدام منتجات ثقافية، كالصورة الفوتوغرافية والقصة القصيرة والحرف اليدوية: إن تزايد المبادرات المجتمعية التي تستهدف القيم السلوكية، سواء التي ينظمها أفراد مبادرون أو مجموعات شبابية أو جمعيات أهلية، أو تلك التي تنفذها مؤسسات حكومية أو شبه حكومية مثل أمانة عمّان، قد ترافق مع ارتفاع وتيرة الممارسات غير الإيجابية في المجتمع، سواء التي تتعلق بالعنف المجتمعي، أو التي تتعلق بخرق القانون وتعمد رمي النفايات في الشوارع والأماكن العامة.
سيتطلب الأمر أن لا يُلقى الروع في أفئدة هؤلاء المبادرين الساعين إلى تعزيز القيم الإيجابية في عمّان، حتى لو ارتفعت وتيرة الممارسات غير الإيجابية. إذ يبدو أن تزايد أعداد "اللامبالين في المجتمع"، قد استدعى تزايد نسبة من يحملون همّاً عاماً تجاه مدينتهم، ويعتبرون شكلها وجمالها وهويّتها، مما يصنّف في خانة واجباتهم، فضلاً عن أن يكون في خانة حقوقهم التي يطلبون من الأجهزة الحكومية توفيرها وحسب.
المهندس طارق هادي، يسعى من جهته إلى تنفيذ مبادرة "عمّان بيتي"، والساعية "للتفريق بين الزبّال والمواطن"، كما تقول صفحة المبادرة على "فيسبوك"، مستخدماً في ذلك فن الصورة الفوتوغرافية. ليصير معنى "الزبّال" هو من يرمي النفايات والأوساخ في الأماكن العامة، لا من يجمعها. 
قال لي المهندس هادي إنه من الصدفة وتوارد الخواطر أن مبادرته تستخدم منطقاً شبيهاً بذاك الذي يتحدث به أمين عمّان عقل بلتاجي، مستهدفاً لكلمة "زبّال" المعنى نفسه. ولعل من توارد الخواطر أيضاً، أن تطابق تلك المبادرات العديدة، جهوداً أخرى يجري تنفيذها من هيئات حكومية، مثل برنامج "أنس وحنين" الذي تنفذه أمانة عمّان من خلال دوائرها الثقافية، مستخدمة منتجات ثقافية متنوعة، كالمسرح والقصة والفن التشكيلي والصورة الفوتوغرافية، لتعزيز قيم السلوك الإيجابي بين الفتيان والفتيات في عمّان؛ وكذلك مبادرات ذات أشكال متنوعة نفذتها وزارة التنمية السياسية، ووزارة التنمية الاجتماعية، ووزارة الثقافة، ووزارة التربية والتعليم.
إذن، ماذا عن: 1) تشابه المبادرات وتكرار مضامينها؛ 2) عدم التنسيق بين المبادرات وعمل كل منها بشكل مستقل عن الأخريات؟
نظرياً، قد لا يكون ثمة مشكلة في المسألتين. ذلك أنه ليس ثمة مبادرة واحدة، ولا جهة واحدة، قادرة على أن تفعل كل شيء، وأن توجه رسالتها لكل الناس. هكذا، يكون تكرار المبادرات بمثابة تكرار لظهور الورود في الحقل، وهو أمر محمود. فيما يكون استقلال كل منها عن الأخريات بمثابة إعادة توجيه للرسالة بصيغة ونكهة جديدتين.
رغم ذلك، علينا الاعتراف أن اجتماع الجهود في "صيغة وطنية" (حتى لا نقول خطة وطنية!) يظل أفضل من تشتتها. ذلك أن المبادرة الواحدة قادرة على أن تخدم فئة محدودة من المجتمع، قد لا تتجاوز مئات الأشخاص. وذلك، رغم جدواه وقيمته، يظل أقل جدوى من مبادرة وطنية كبرى توجه في الوقت نفسه لشرائح واسعة من المجتمع، وتصل إلى مئات آلاف الناس دفعة واحدة، انطلاقاً من الإيمان بأن "هويّة المدينة" هي مسؤولية جماعية لمواطنيها.
لكن ذلك، بالضرورة، يحتاج وجود "مظلة" لهذه الجهود، واعية لدورها وقادرة على التخطيط له وتنفيذه، بالشراكة مع مختلف المبادرين. ثمة حاجة ملحة، والحالة هذه، لوجود "هيئة وطنية عليا" لتعزيز السلوك الإيجابي في المجتمع. وإذا أردنا الابتعاد عن صيغة الهيئات واللجان العليا، فإنه يمكن أن تتولى إحدى الوزارات المعنية إقامة مظلة لإدارة خطة وطنية بهذا الخصوص، تشمل إضافة إلى الحث على السلوك الإيجابي، مراجعة التشريعات ذات الصلة والمطالبة بتعديلها، والتأكد من نزاهة تطبيقها؛ فليس ثمة "مدينة" من دون "هوّية مدنيّة"، تعكسها "سلوكيات مدنيّة"!

المراجع

alghad.com

التصانيف

صحافة  سامر خير أحمد   جريدة الغد   العلوم الاجتماعية