لا تجد في الأردن من يجيبك عن أسئلة الإصلاح المتعثر، وثمة من يذهب إلى فرضية أن لا أحد مدانا في كل ما جرى ويجري من فشل اقتصادي أو سياسي أو حتى اجتماعي.
 فالمتهم في غياب الولاية العامة مجهول، ومثله في تزوير كل الانتخابات البلدية والنيابية، ومثله أيضا إذا كان السؤال متعلقا بالمديونية التي تورمت إلى ما بعد الحد الأعلى المسموح به في قانون الدين العام، وهو 60% من الناتج المحلي الإجمالي.
برنامج التحول الاجتماعي والاقتصادي انتهى إلى خيبة وفساد، وعندما تسأل لا تجد من يجيبك بشأن الملايين التي أهدرت وأثرت بموجبها مجموعة محددة من المسؤولين الفاسدين.
 وعندها يتساءل الشعب ويستهجن حيال بشاعة شكل ومضمون الخصخصة التي تمت بحق شركات التعدين في البلاد، حيث أضعنا بلايين الدنانير بسبب صفقات الإذعان والفساد، في الوقت الذي يجب أن يكون تراب أرضنا كنز الأردن الذي لا ينضب!
إذن؛ المتهم مجهول، فيما تشخيص الحالة الراهنة، لاسيما في حالها الاقتصادي، ينطوي على كوارث في أكثر من اتجاه، وما يستوقف المرء محاولات يائسة من قبل قوى ترعرعت وظهرت على السطح في غيبة من القانون والنزاهة والمساءلة، وهدفها اليوم الوقوف على أسباب ضعف خططنا الاقتصادية والمالية، وطريقة بناء الموازنة وملامسة خط الإنفاق الجاري الذي يلفها.
ثمة نصائح برلمانية للحكومة، وعنوانها سحب مشروع الموازنة للملاحظات الآنفة، وإعادة تقديمه على نحو جديد وبما يجيب عن الأسئلة، وهنا يسأل الشارع مؤسسة التشريع التي فقدت ثقلها في العقدين الأخيرين، من الذي كان يمرر الموازنات بدون جلبة أو صخب؟ ومن الذي لا يملك أن يغير في سلوك الدولة قيد أنملة؟ ومن الذي تستر على ملفات فساد عديدة، وإذا تم ذكرها تحت القبة فالأمر للمناكفة وتصفية الحسابات، وليس لقطع دابر الفساد أو مأسسة النزاهة؟ 
نحتاج إلى أن نبدأ من جديد، ولا أحسب أن نائبا جاء بالتزوير وشراء الأصوات وفقا لقانون فصلته الدولة على مقاسها، قادر على ان يجيب عن أسئلة الشارع والحراك الشعبي، والبداية من جديد تقتضي منا تشخيصا حقيقيا لما حل بنا، لنعمل بعد ذلك على إصلاح البيئة التشريعية والقانونية، وأن نعود إلى الدستور، وثيقتنا الأولى، كي نبني مؤسسات حقيقية لا صورية، وبما يكفل الفصل بين السلطات الثلاث، وأن نضع حدا نهائيا لأي جهة تتغول على حقوق الناس وخياراتهم، وأن نطلق العنان لحرية الأفراد كي يصنعوا شيئا جديدا بعيدا عن التعليب والتقليد والرداءة، وبدون أن يكون فوق رؤوسهم أوصياء.
المؤسسة التعليمية هي الأساس، وما حدث في جامعاتنا من عنف وبلطجة عقب سنوات من الوصاية الأمنية يجب أن يعيدنا إلى السؤال الأساس؛ ما هو الجيل الذي نريده لبناء الأردن في السنوات المقبلة؟ هل نريد أن يكون شبابنا عنصريين ومتخلفين وملتصقين بعصبية الدم والقبيلة، لا بالبحث العلمي والعمل التطوعي الخيري؟  وهل سيكون هؤلاء الشبان مؤهلين للانخراط في تحديات المستقبل وثمة من يمارس الوصاية على عقله؟
وأي نخب اقتصادية نريد؟ أولئك الذين يجيدون اللغة الإنجليزية وتوزيع الابتسامات في وجوه الأجانب عقب صفقات الخصخصة البائسة؟ أم مَن يعرفون أسرار قوتنا وضعفنا ويعملون بدون كلل أو ملل لتقوية اقتصادنا وتأسيس خطط تنقلنا من حال هزيلة إلى أخرى قوية؟
الأسئلة التي لم تجد حظا من الإجابة بشأن أحوالنا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية كثيرة، وتقييد الجرائم التي انطوت عليها تلك الأسئلة ضد مجهول أكثر، لكن المواطنين اللذين أحرقا جسديهما الأسبوع الماضي، اختزلا بفعلتيهما الكثير الكثير من أنماط التذاكي على شعب مل من الوعود والمماطلة والخداع والكذب.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

جريدة الغد   صحافة  حسن احمد الشوبكي