يؤمل من الخط الساخن المتدفق حاليا بين طرابلس وعمان أن يؤتي أكله اقتصاديا في المقبل من الشهور والسنوات، ولا تتحقق النتائج الا بتعزيز مناخ الثقة على نحو فعلي بين الاردن وليبيا التي انتزعت حريتها وهي التي تتأهب لمعركة البناء التي لا تقل اهمية عن معركة التحرر من نظام القذافي.
وجود اكثر من 13 الف ليبي على الاراضي الاردنية جلهم جاؤوا من اجل العلاج في المستشفيات والمراكز الطبية الاردنية يعكس مدى ثقة الليبيين بسمعة الطب في بلادنا وثمة تجهيزات محلية على صعيد توفير فرص العلاج والإقامة في الفنادق والشقق تهدف الى ان تعود رحلة شفاء الاشقاء الليبيين بالخير على الاقتصاد المحلي، لكن المسألة يجب ان لا تقف عند هذا الحد على اهميته، فالطائرات التي تقل الجرحى والمرضى من بنغازي وطرابلس ستتراجع في وقت لاحق وهو ما يجعلنا نتساءل بشأن مستقبل العلاقة الاقتصادية بين الجانبين.
التقديرات بشأن كلفة إعادة إعمار ليبيا تذهب الى ان 480 بليون دولار ستنفق حتى نهاية العقد المقبل، وتشمل تلك الكلفة البناء والتأسيس في مجالات الانشاءات والاتصالات والصحة والتعليم وكافة احتياجات البنية التحتية ومعها قطاع الخدمات لا سيما المالية، وهنالك ورشة مفتوحة لمأسسة التشريعات وإطلاق المؤسسات على اعتبارات تتواكب مع مضمون ما تحتاجه الدولة الليبية وهو كثير.
هنا، لا بد من الوقوف أمام جاهزية الاقتصاد المحلي حيال مثل هذه الفرصة الكبيرة، فالعلاقات التي توثقت خلال الثورة الليبية ضد نظام القذافي وتعززت اكثر بعد سقوط النظام عبر الجسر الجوي الذي يؤمن العلاج في المستشفيات الاردنية تحتاج الى بناء فاعل في المرحلة المقبلة ليكون للأردن حصة عربية في عملية إعادة إعمار ليبيا، ولا يمكن ان تنجح تلك الآمال إلا اذا تفاعل القطاعان العام والخاص هنا من اجل الخروج بخطة جريئة تسمح لرجل الاعمال الاردني ان يدخل الى ليبيا مدعوما بالعلاقة المميزة وبخطة عمل يمكن من خلالها توفير فرص العمل للاردنيين وتحريك الاقتصاد من ركوده الحالي .
تلك الخطة يجب ان تكون شاملة وتحاول الاستثمار في كل القدرات التنافسية المحلية ، ولا تقف تلك الخطة عند المشاركة في مشاريع الإنشاءات والمقاولات والبناء الكبرى بل تتعداها الى تصدير الكفاءات الاردنية لا سيما في مجالي الصحة والتعليم ، وما يدعو الى التفاؤل ان حديثا جديا بدأ بشان مساعي الليبيين للاستفادة من تجربة التعليم الاردنية منذ عدة شهور ونظرا لوجود الكثير من عوامل التقارب فالأمر يحتم ان يكون للاردنيين موطئ قدم  في تجهيز المدارس والجامعات والمعاهد الليبية على نحو يصل بنا الى مأسسة علاقة اقتصادية طموحة مع الاشقاء الليبيين في التعليم ومثلها في الصحة، وبما يعود بالنفع على العاملين في هذين القطاعين الكبيرين.
استغلال الفرص لا يكون بالامنيات بل بالتخطيط للنجاح على مستوى الدولة ككل والحديث عن دخول رجال الاعمال الاردنيين الى ليبيا التي ستشهد مرحلة بناء اقتصادية تستمر لسنوات ليس حديثا عن جني ارباح لنخبة بعينها، بل هو حديث عن فائدة تشمل الجميع بما لا يتجاهل الكوادر المحلية المؤهلة والتي تشتكي من انعدام الفرصة وتبحث عن افق للحل، وبعبارة اخرى ، فإننا نحتاج اليوم الى فريق اقتصادي ذكي في القطاعين العام والخاص يقوى على المنافسة – بما يتناسب وحجم اقتصادنا – في عملية إعادة إعمار ليبيا .
من الجيد ان نسعى اليوم للتكيف مع الاعداد الكبيرة التي تتدفق من ليبيا طلبا للعلاج، ولكن ذلك يجب ان يترافق مع خطة مدروسة تسهم في تعزيز الحضور الاقتصادي الاردني، والسؤال اليوم، هل نحن جاهزون لهذا التحدي؟

 

حسن احمد الشوبكي


المراجع

alghad.com

التصانيف

صحافة  حسن احمد الشوبكي   العلوم الاجتماعية   الآداب