لا يمكن النظر الى استقلالية الاقتصاد بمعزل عن النمطية التي سرت عليها علاقاته خلال العقود الأخيرة.
واعتقد ان ملف المساعدات التي تقدم للأردن كان وما يزال قيدا على استقلالية اقتصادية مفقودة بسبب تبعية البرامج والمشاريع لدول بعينها تقدم مساعدات مشروطة ويضطر متلقي المساعدة إلى الاذعان لتلك الشروط أو التوافق معها.
ذاك كلام نظري، ولكنه واقعي ايضا في شكل العلاقة الاقتصادية بين الاردن والولايات المتحدة؛ اذ تقوم الوكالة الأميركية للإنماء الدولي "usaid" حاليا بفرض شروط على مساعدات العام الحالي، وكان الامر كذلك في السنوات السابقة، ولا يملك المسؤول الحكومي الاردني ان يناقش في ماهية هذه الشروط فهو الطرف الأضعف وفقا لاعتبارات معروفة، وسواء تعلقت الشروط بتحسين بيئة الاعمال وتحقيق الشفافية في النشاط الاقتصادي او تغيير تشريعات بعينها، فإن متلقي المساعدة سيرضخ للشروط في نهاية الأمر.
حجم المساعدات الاقتصادية الأميركية المتوقع للاردن في العام الحالي يصل الى 360 مليون دولار ونسبة السيولة النقدية المرتجاة منها تقل عن 45 % من هذا الحجم، بينما يتوزع ما تبقى على شكل برامج ومشاريع وتندرج شحنات القمح الاميركي الى الاردن في هذا الجانب ومنها المساعدة الاخيرة هذا الشهر بمبلغ يقارب 13.5 مليون دولار، اما المساعدات العسكرية فتقارب 300 مليون دولار. من العبث استمرار هذا النهج ونحن نتحدث عن مسار اقتصادي جديد قوامه الاعتماد على الذات ورسم سياسات اقتصادية تستطيع أن تحدث فرقا في حياة الاردنيين.
تفيد البيانات المتعلقة بحركة التجارة بين الاردن والولايات المتحدة ان العجز التجاري يميل على الدوام لصالح اميركا، ويتضاعف العجز التجاري لأكثر من اربع مرات في هذا الصدد، ورغم ان اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة التي امست قيد التنفيذ في العامين الاخيرين سمحت لصادرات بعينها – لاسيما الألبسة – من دخول اكبر سوق استهلاكي في العالم الا ان كفة المصلحة ما تزال تميل لصالح الأميركيين وينساق مع هذا الامر إجبارية التعامل مع الشركات الاميركية، وسبق ذلك تأسيس اميركي لعلاقات تجارية وصناعية مع الاردن استفادت منها اسرائيل وتم ذلك عبر اتفاقيات جاءت بعد معاهدة وادي عربة.
ليس مقصودا مما سبق قطع العلاقة الاقتصادية مع اميركا، ولكن شروط العلاقة مملوكة بالكامل للطرف الاميركي مقابل مساعدات هزيلة لم تحدث فرقا في حياة الاردنيين ولم تغير من واقع معاناتهم، وحتى فرص العمل التي اتاحتها الاتفاقيات التجارية والصناعية الاردنية مع اميركا واسرائيل هي محل تشكيك وتساؤلات منذ بدأت وحتى اليوم.
صوت الشارع واضح والرغبة في استقلال الاقتصاد وتمكينه رغبة عامة وإرادة يجري التعبير عنها بصور عديدة، واحسب ان الربيع العربي ورياح الحرية التي هبت في منطقتنا تستدعي منا ان نعيد النظر في كل الاتفاقيات التي تمس استقلالية قرارنا الاقتصادي، ولا يمكن القبول بوجود ارادة للتخطيط لحياتنا الاقتصادية والسياسية في الوقت الذي تبحث فيه الوكالة الاميركية للإنماء الدولي عن شروط جديدة لمنح مساعدات لا تسمن ولا تغني من جوع، وهي ذات المساعدات التي تقدم باليد اليمنى ويحصل الجانب الاميركي على ما هو اكبر منها باليد اليسرى عبر شبكة علاقات معقدة تزيد من تبعيتنا ولا تسمح لنا بالتحرر على المستويين السياسي والاقتصادي.
قال الرئيس الاميركي السابق رونالد ريغان قبل 26 عاما "كل دولار ينفق في المساعدات الامنية يساهم في الامن العالمي بالمساهمة نفسها لذلك الدولار في بناء قوة الدفاع الاميركية"، واذا كان ذلك يخص الامن القومي الاميركي، فماذا بشأن أولوياتنا واستقلالنا السياسي والاقتصادي؟
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
جريدة الغد صحافة حسن احمد الشوبكي