يبدو أن الحكومة لم تقرأ جيدا زحف المعلمين إلى مبنى الرئاسة.
وبعيدا عن الحجم، وإن كان مهما، فلقد بدا المعلمون كتلة تنظيمية شديدة الثقة بمطالبها حريصة على نيل حقوقها واضحة في غايتها وأدواتها بينما ظلت المؤسسة الرسمية تفكر بالطريقة إياها.
المسألة في تقديري ليست خلافا ماليا يصعب حله، وهي كذلك ليست حديثا عن نسبة 10 بالمئة ومواعيد الاستحقاق، إنها مسألة كرامة وحق مفقود لنخبة من أبناء الاردن الطيبين الذين عضوا على جراحهم لسنوات وسنوات وهم اليوم يتحدثون بلسان واحد وبقرار قوي وفاعل: لن نذعن امام التهميش ولن نقبل مجددا أن يكون التعليم والمعلمون ميدانا لتجريب السياسيين وارتجالهم وفسادهم في أحيان أخرى.
مقابل صرخة الكرامة التي أطلقها المعلمون، تلك القوة البشرية التي تفوق في حجمها مئة الف مهني،  تقف الحكومة عند ذات المواقف التي هي أقرب إلى التشكيك في إضرابهم عبر الزعم بوجود "مندسين" ولاعبين يهدفون الى تقويض الدولة والاساءة اليها، وتلك المزاعم تعبر عن اسطوانة مشروخة ومثلها اسلوب التعامل الأمني مع هذه الفئة الجليلة بافتراض ان المعلمين ليسوا الا نقطة ضعف في خاصرة البلاد الامنية، وتارة اخرى يجري الحديث عنهم بوصفهم ضحايا افتراضية لموازنة ضيقة واوضاع مالية حرجة.
لا هذا ولا ذاك وجد طريقا الى ثني المعلمين عن هدفهم، فالتشكيك بالمعلمين أثبت فشله بعد ان استطاعت قوتهم المجتمعية وقيمتهم الكبيرة لدى الاردنيين جذب المزيد من المؤازرين اليهم، ويشهد على ذلك الدوار الرابع في الاسبوع المنصرم، أما التعامل الامني فهو الخطأ الاكثر فداحة، فمن ظلم بفعل تهميش مديد لا يجوز أن يتحول الى ظلم خلف القضبان، ولا ننسى اننا نتحدث عن بناة غدنا والقائمين على احلام اطفالنا ومستقبلهم.
المأزق الحالي من صنيعة الحكومة، فلا هي فتحت الباب لمبادرات التسوية بينها وبين المعلمين ولا هي قدمت حلولا توفيقية، كما لم تترك للآخرين طريقا نافذا لكي يعبروا منه، ولا أعلم حقيقة سر استرخاء الحكومة وقراءتها غير الجدية لإضراب المعلمين الذي أنهى أسبوعه الثاني، فمن غير المفيد التمترس خلف حرج الوضع المالي، ومن غير المفيد ايضا الارتهان إلى عبارات التحريض والتشكيك الرسمي التي ملها المعلمون وقوى مجتمعية أخرى، وعلى الحكومة ان تتواضع قليلا وان تنهي هذا الملف قبل ان يتفاقم الى أزمة سياسية لا يعلم أحد حدودها القصوى.
الكلفة السياسية لإضراب المعلمين أكبر بكثير من مبلغ العلاوة التي يطالبون بها دفعة واحدة ويستحقونها، بل ويستحقون أكثر من ذلك، وهي دعوة للحكومة أن تصغي للمعلمين وأن يتم استئناف العملية التربوية وفق نسق طبيعي؛ فمع التزام ما يقارب 30 % من الكوادر التعليمية بالإضراب، فإن اقتراب النسبة من النصف ينذر بخطر كبير على البلاد نحن في غنى عنه جملة وتفصيلا.
المسألة ليست تحديا أو لي ذراع جهة لأخرى، إنها مسألة حقوق ورفع ظلم تاريخي وإعادة اعتبار لفئة كانت في عقود تتربع على عرش المركز الاول في نظر ابناء المجتمع، وتمكنت من تعزيز دور الاردن التنافسي داخليا وخارجيا وتشهد بذلك تقارير الامم المتحدة التي تحدثت عن مستوى التعليم في عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، فالمعلم هو ثروة الدولة والمجتمع، وانصافه مكرمة لنا جميعا ولا يجب ان تساق في مسارات التحدي والتعنت والاستمرار في ادارة الازمة على نحو سلبي.
تهكم وزير تربية وتعليم سابق على المعلمين وهم يطالبون بنقابة تضم افكارهم واحلامهم، فما كان منهم الا أن اثبتوا للاردنيين من هم وما حجمهم، فبقي المعلمون بقوتهم وصلابتهم وجالت مسيراتهم ارجاء الوطن فيما لاحقت الوزير المتقاعد وحكومته الانتقادات. إنها مسألة كرامة وانتصار لحقوق غيبت بفعل فاعل، وليست ملفا اقتصاديا أو أمنيا، فهل تعي الحكومة ذلك؟.

 

حسن احمد الشوبكي


المراجع

ammanxchange.com

التصانيف

صحافة  حسن احمد الشوبكي   العلوم الاجتماعية   الآداب