تعدد الزوجات في الأديان السماوية.. كثر الهجوم على الإسلام باعتباره يهين المرأة وإنسانيتها حتى ظن الكثيرون أنه الدين الوحيد الذي انفرد بتعدد الزوجات وابتدعه، ونسوا أو تناسوا أن كل الأديان السابقة والحضارات والمجتمعات قد زاولت التعدد، الذي لا حد فيه لعدد الزوجات والذي قيده الإسلام بعدم السماح بالجمع بين أكثر من أربعة نسوة. كما حاول البعض من أعداء الإسلام بث فكرة أن من شروط الإسلام واكتمال الدين الزواج بأكثر من واحدة، وكل ذلك كسراب شيد من أوهام. والواقع أن الإسلام نظم تعدد الزوجات كضرورة قد تلجأ إليها الحكومات والمجتمعات والأفراد في ظروف خاصة لا كفضيلة يجب التمسك بها. فالإسلام أباح التعدد ولم يدعُ إليه. ويعد السماح بتعدد الزوجات في اليهودية حقيقة ثابتة لا خلاف عليها، ولقد أباحت التوراة لليهودي الزواج بأكثر من واحدة ولم تحدد له عدداً ما, إلا أن التلمود حدد العدد بأربعة على شرط أن يكون الزوج قادراً على إعالتهن، وهناك فقرات كثيرة في التوراة تبيح التعدد منها، إذا كان لرجل امرأتان إحداهما محبوبة والأخرى مكروهة فولدتا له بنين، فإذا كان الابن البكر للمكروهة يقسم لبنيه ماكان له، لا يحل له أن يقدم ابن المحبوبة بكراً على ابن المكروهة البكر، بل يعرف ابن المكروهة بكراً ليعطيه نصيب اثنين من كل مايوجد عنده لأنه هو أول قدرته له حق البكورية. وجاء بشأن العدالة بين الزوجات، وإن تزوج بأخرى فلا ينقصها طعامها وكسوتها وأوقاتها، وفي صموئيل الثاني: فقال ناثان لدواود أنت هو الرجل هكذا قال الرب له إسرائيل، أنا سميتك ملكاً على إسرائيل وأنقذتك من يد شاول وأعطيتك بيت سيدك ونساء سيدك في حضنك. هذا والثابت زواج الأنبياء وغيرهم بأكثر من واحدة، إذ تزوج أبيا ملك يهود أربع عشرة زوجة. يقول الأستاذ الباحث أحمد أبوعضة: التلمود وهو الكتاب الثاني الذي يقول عنه اليهود إنه يضم التعاليم الشفوية لموسى والذي يجعلونه في مرتبة أعلى من التوراة؛ يحدد التعدد بأربع. إذا يقول إنه لا يجوز أن يزيد الرجل على أربع زوجات كما فعل يعقوب إلا إذا كان قد أقسم بذلك عند زواجه الأول، وإن كان قد اشترط لمثل هذا العدد القدرة على الإنفاق. وعن أسباب التعدد فجاءت أن التعدد يمنع الزنا الذي يحدث من جهة الرجل. لم يجعل سيدنا موسى التعدد خيراً ولكنه تسامح فيه، أثبتت الإحصاءات أن عدد النساء يزيد نسبياً على عدد الرجال، أحياناً العقم للزوجة أو الإصابة بمرض يؤثر على العشرة أو المعاشرة. في حالة واحدة يكون الزواج فيها فرضاً على الرجل حتى لو كان متزوجاً هي حالة زواج الأخ من زوجة أخيه الذي توفي دون إنجاب، ولينجب ولد من الزوجة ويتم تسميته باسم الأخ المتوفي حتى يحفظ اسمه في إسرائيل, وهذا يسمى زواج (البيوم), وتقول التوراة عنه إذا سكن الإخوة معاً ومات واحد منهم وليس له ابن فلا تصير امرأته تتزوج من رجل أجنبي، أخو زوجها يدخل عليها ويتخذها لنفسه زوجة, ويقوم لها بواجب أخي الزوج، والبكر الذي تلده يقوم باسم أخيه لئلا يمحى اسمه من إسرائيل، وليس لهذه المرأة حق الرفض بل عليها الإذعان حتى لو لم ترغب في أخي زوجها، الذي له أن يرفض الزواج بشرط إعلان ذلك وتكون نتيجة رفضه إهانته أقصى إهانة، وإن لم يرض الرجل أخذ امرأة أخيه تمضي المرأة من الباب إلى الشيوخ, وتقول أبى أخو زوجي أن يقيم لأخيه اسماً في إسرائيل, لم يشأ أن يقوم لي بواجب أخي الزوج، فيدعوه شيوخ مدينته ويتكلمون معه فإن أصر وقال لا أرضى أن أتخذها زوجة، تتقدم امرأة أخيه إليه أمام أعين الشيوخ وتخلع نعله من رجله وتبصق في وجهه وتصرخ في وجهه, وتقول هكذا يفعل بالرجل الذي لا يبني بيت أخيه فيدعى اسمه (إسرائيل ببيت مخلوع النعل)، ولكن إذا تعمد أخو الزوج عدم إنجاب ولد يكتب باسم أخيه المتوفي كان عقابه عند الله شديداً. وكان من بدايات الدعوة بوحدة الزوجة عالم يسمى (جرشوم بن يهوذا 960م-1040م)، والذي أفتى بتحريم تعدد الزوجات, ولكن اجتهاده لم يحظ بالتطبيق القانوني المتفق عليه في المجالس المحلية ومحاكم الأحوال الشخصية لليهود في أوروبا إلا حوالي سنة 1240م، إذا اتفقت كلمة كهنة اليهود وقضاتهم على هذا التحريم. وإن كان تعدد الزوجات بين اليهود ظل منتشراً سراً أو علناً، ثم جاء الأستاذ بافلي وهو من علماء الشريعة المشهورين, يقول معضداً للعلامة جرشوم بالرغم من كون تعدد الزوجات حلالاً في الدين إلا أنه صدرت الفتوى بتحريمه من الحاخام جرشوم بسبب المطالب الباهظة للحياة الحاضرة التي تجعل القيام بأمر زوجة واحدة فضلاً عن زوجات عدة أمراً صعباً, وإن كل يهودي يخالف فتوى الحاخام جرشوم، يقع تحت عقوبة التكفير والخلع والطرد في المجتمع الإسرائيلي، ثم إن المادة 54 من كتاب الأحكام الشرعية للإسرائيلين تقول لا ينبغي للرجل أن يكون له أكثر من زوجة وعليه أن يحلف يميناً على هذا حين العقد. إذن أساس التحريم ليس التوراة ولكن القسم على عدم القيام به هو الأساس, ذلك العلامة بين شمعون مؤلف كتاب الأحكام الشرعية يقول في المادة 55 إذا كان الرجل في سعي العيش، ويقدر أن يعدل أو كان له مسوغ شرعي فله أن يتزوج بأخرى، وعلى ذلك يتبين أن الديانة اليهودية ديانة تعدد زوجات ومحظيات وعشيقات بلا حدود لعدد. التعدد في الإنجيل والديانة المسيحية أقرت المسيحية في بدايتها ماأقرته ديانة موسى في التعدد، واستمر رجال لا يعترضون على مضض حتى القرن السابع عشر. والدارس للإنجيل لا يجد فيه فقرة واحدة تحرم التعدد وإن كان فيه الكثير من الفقرات التي تحبذ البتولية (عدم الزواج), وأيضاً عدم زواج الأرملة مرة ثانية، ومنع التعدد صراحة كان أمراً لازماً لرجال الدين وذلك إعلاء لشأنهم وحتى يتفرغوا للدعوة، ولا تشغلهم مشاكل النساء من رعاية أبناء الكنيسة، ولم تمانع الكنيسة في أول عهدها وحتى زمن متأخر اتخاذ أكثر من زوجة وأدلة ذلك كثيرة، منها أن المسيح في أحد الأمثال قال إن في عشرة من العذارى كانوا في انتظار العريس وأنهن لجهالة بعضهن لم يستطعن الدخول معه فأغلق الباب دون بعضهن لأنهن لم يكن قد أعددن مايلزم، فلو أن التعدد كان غير جائزعنده ماضرب المثل بالعذارى العشر اللاتي ينتظرن عريساً واحداً، وماقال إن بعضاً منهن أضعن الفرصة لأنهن لم يعددن العدة. والعالم القانوني جروتيوس يقول إن الشريعة الموسوية كانت أفضل بإقرارها تعدد الزوجات، والقديس أوغسطين استحسن أن يتخذ الرجل الزوجة سرية إذا ماكانت الزوجة عقيماً وثبت عقمها، وإن كان لم يسمع ذلك للزوجة إذا ثبت أن زوجها هو العقيم، لاخوفاً من اختلاط الأنساب ولكن لأمن الأسرة لأنه كما قال في كتابه (الزواج الأفضل) لا يصح أن يكون بالأسرة سيدان. ويتضح من هذا أن المسيحية لم تحرم التعدد مطلقاً، وقد كان شارلمان الإمبراطور الروماني المسيحي متزوجاً بأكثر من زوجة، والإمبراطور ليو السادس في القرن العاشر الميلادي كانت له ثلاث زوجات وتسرى برابعة، وهي التي ولدت له الإمبراطور قسطنطين الذي حكم بعده الإمبراطورية الرومانية الشرقية، وهنري ملك إنجلترا تزوج من كاترين ثم تزوج بعدها آن بولين وبعدهما حنا سيمور.. وهكذا. وذكر أن إبراهيم نفسه كان مسيحياً كاملاً كانت له زوجتان، وعقب لوثر على ذلك قائلاً إن التعدد أفضل قطعاً من الطلاق, ولذلك نجد لوثر يبيح لأمير وهو الأمير هيس فيليب أن يجمع بين زوجتين. وقال إذا نظر الرجل إلى امرأة وحسنت في عينه وأحبها وهو متزوج فخير له أن يتخذها زوجته من أن يتخذها خليلته، بل إن بعض الطوائف المسيحية مثل الآباء البابيين في مدينة منستر تقول إن كل من يريد أن يكون مسيحياً مخلصاً يجب أن يكون متزوجاً من عدة نساء, وكانت الكنيسة الشرقية قد ثارت على مبدأ تعدد الزوجات الذي تبنته أول الأمر الكنيسة الكاثوليكية ولكن بعد حرب الثلاثين سنة والتوقيع على معاهدة وستفاليا صدر قرار يقول: حيث إن حاجة الإمبراطورية الرومانية المقدسة تقتضي تعويض السكان من الذكور الذين لقوا حتفهم بالسيف أو المرض أو الجوع، فقد صح لكل رجل خلال السنوات العشر التالية بالزواج من امرأتين, على أنه ينبغي التذكر بأن كل مواطن جدير بالاحترام يتخذ زوجتين. وقد تدرج منع التعدد في المسيحية فبدأ أولاً بتحريمه على رجال الكنيسة وغيرهم ثم أصبح الزواج الأول لغير رجال الكنيسة هو الذي يتم بطريقة غير دينية، وأما بعد ذلك فللمسيحي أن يتزوج ثانية بدون إقامة مراسيم بالكنيسة، ثم أصبح الزواج الثاني بعد ذلك يحرم المسيحي المتزوج من أكثر من واحدة دخول الكنيسة حتى يسرح الثانية، وأخيراً منع الزواج بأكثر من واحدة منعاً باتاً وذلك من سنة 970م حيث تولى البطريك أبرام السرياني منع التسري أيضاً، وانتهى الأمر إلى إفرادية الزوجة في المسيحية. فكما هو واضح ليس المنع تشريعاً سماوياً بل هو قوانين وضعية. يقول القسيس صليب اليسوع بكنيسة الأنبا يوحنا بالإسكندرية، إن الأصل نشأ بتشريع عدم التعدد ولكن الله سمح لليهود وللأنبياء والقديسين بالتعدد كمنحة منه وتيسير، ولكن المسيح جاء بالطهارة الكاملة فأعاد بتشريعه الزوجة الواحدة الأمور إلى أصلها والعودة إلى السمو الروحي والجسدي في بدء الخليقة. نجد أن كافة مسيحيي الشرق والغرب يعترفون بوجود التعدد وعدم تحريمه في التوراة والديانة اليهودية، ولكنهم يحاولون إيجاد مبررات لتعدد زواج الأنبياء بحيث يبدأ ذلك للاضطرار وليس لسماح الشريعة بذلك, فيقول القديس أوغسطنيوس عن زواج إبراهيم بأكثر من واحدة، عاش في حالة الزواج بعفاف، وكان بمقدوره أن يعيش عفيفاً بدون زواج، ولكن ذلك لم يكن مناسباً في هذا الزمان. ويشرح قداسة البابا شنودة ذلك فيقول (إنما تسرى غبراهيم في عصر خافت فيه ابنتا لوط من انقراض العالم بعد حرق سادوم وعامورة.. فأسكرتا أباهما وأنجبتا منه نسلاً دون أن يعلم). ويقول عن زواج يعقوب أبي الأسباط الاثني عشر، إنه خدع من خاله لابنان الذي زفة إلى زوجه من ابنتيه غير التي اختارها لنفسه، وعلاجاً للمشكلة زوجه الصغرى أيضاً وتسرى يعقوب بنفس السبب الذي من أجله تسرى إبراهيم، دفع إلى ذلك دفعاً من زوجتيه، أن يتخذ له جاريتها مرتين لينجب لهما نسلاً. وعلى ذلك فرضت الكنيسة عقوبات على الزواج الثاني ومابعده تجاه من يتزوج ثانية بعد وفاة زوجته الأولى، فرضت عقوبة على المتزوج ثانية بأن تبعده عن الكنيسة وعن تناول الأسرار المقدسة مدة من الزمن، وأنه لابركة إكليل لهذا الزواج بل صلاة استغفار, ولهذا رسم في القوانين ألا يكون لها بركة إكليل للرجل المتزوج أو السيدة التي تتزوج للمرة الثانية، ولا يحضر القس وليمة هذا الزواج، والمتزوج ثانية لايدخل في شرف الكهنوت، وتنص قوانين الكنيسة على أنه إذا تزوج أحد من رجال الكهنوت بعد وفاة زوجته فإنه يقطع درجته الكهنوتية. تعدد الزوجات في الإسلام وقد يكون التعدد لضرورة اجتماعية أو إنسانية أو جنسية مع تداخل هذه الضرورات، كالذي يتزوج بأخرى لعدم الإنجاب من الزوجة الأولى، فالإبقاء على الأولى يحمي المجتمع بإضافة مطلقة إليه، وبإنقاص عانس من نسائه, ولا يجب أن ننسى أن هناك من الرجال من لا تكفيهم الزوجة الواحدة, وهم قلة فبدلاً, من الزنا وإطلاق العنان للمغامرات العاطفية والجنسية الأفضل له الزواج. مشروعية التعدد في الإسلام ثبت إباحة التعدد وفقاً للأسباب الموجبة في القرآن الكريم والسنة وما عمل به الرسول (صلى الله عليه وسلم) وصحابته رضوان الله عليهم. وفي القرآن الكريم: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ) (النساء:3). يقول الإمام عبده في ذلك، قد أباحت الشريعة المحمدية للرجل الاقتران بأربع نسوة، إن علم في نفسه القدرة على العدل بينهن وإلا فلا يجوز الاقتران بغير واحدة، لقوله تعالى (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة), فإن الرجل إذا لم يستطع إعطاء أي منهن حقها، اختل نظام المنزل وساءت معيشة العائلة. وقوله تعالى (وإن خفتم) يوضح التشدد في التعدد, والنصح أن من يرى أنه لا يستطيع الوفاء بحقوق أكثر من واحدة فلا يقدم نهائياً على التجربة, وظهر ذلك جلياً واضحاً في قوله تعالى (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم) (النساء:129). والثابت أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) تزوج أكثر من أربع وهي ميزة خاصة لرسول الله دون المسلمين، وقد قابله أمر الله لرسوله بعدم الزواج من نساء أخريات غير ماكن معه, وهذا الأمر لم يقيد به الله المسلمين، لقوله جل وعلا (لايحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج) (الأحزاب: 52). وقد كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) يميل آخر عهده إلى عائشة أكثر من باقي نسائه، ولكنه لم يخصها بشيء دونهن، أو بغير رضاهن وإذنهن وكان يقول (اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما لا أملك). ويقصد بذلك ميل القلب لعائشة فقد كان النبي (صلى الله عليه وسلم) في أشد حالات مرضه يطاف به على بيوت زوجاته، محمولاً على الأكتاف حفظاً للعدل ولم يرض الإقامة في بيت عائشة إلا برضا باقي زوجاته حتى قبضه الله وكان لا يفرق بينهن. هذا وقد حذرنا صلى الله عليه وسلم من عدم إقامة العدل بين الزوجات فقال: (من كان له امرأتان فمال إلى إحداهن دون الأخرى -وفي رواية لم يعدل بينهما- جاء يوم القيامة وأحد شقيه مائل) والعدل فرض في الملبس والمأكل والإقامة وحقوق الزوجية وسائر حقوق الزوجة.

المراجع

www.arabicmagazine.com/arabic/ArticleDetails.aspx?Id=1800موسوعة الأبحاث العلمية

التصانيف

الأبحاث