الأحداث الجارية في العالم العربي، تجد صداها محلياً باستمرار. وبات واضحاً أن الأردنيين يتعاطون مع ما يجري من تغيرات داخل ثورات الشعوب العربية، باعتبارها تخصهم تماماً، ويجدون أنفسهم اليوم منحازين -استناداً إلى آرائهم وأفكارهم- إلى أحد فريقي "الخلاف" في كل من مصر وسورية. وذلك طبيعي؛ ليس فقط لأن تلك الخلافات تمثل قضايا عربية عامة، أو لأنها قد تمس حياتهم اليومية، بل قبل ذلك لأن التناقضات والاختلافات الفكرية والسياسية الموجودة في تلك البلدان، هي نفسها الاختلافات الموجودة في مجتمعنا، بل إن تناقضاتنا واختلافاتنا قد تمثل امتداداً لتلك الاختلافات في البلدان العربية.
انحيازات الأردنيين واختلافاتهم ماثلة اليوم في مواقع التواصل الاجتماعي أكثر مما هي في أي فضاء آخر. وفيها يبدو أن التخندق في الآراء والمواقف لا يتوقف عند إبداء الرأي نفسه وحسب، بل يتحول إلى صراع بين أصحاب الآراء، يشمل أحياناً الخروج عن الموضوع نحو الاتهامات الشخصية، وربما الشتائم، بين أناس لا مصلحة مباشرة لهم في كل ما يجري، ولا دخل مباشراً لهم في تصرفات الجيش أو الإخوان في مصر، ولا في سلوك نظام الأسد أو معارضيه في سورية. وهي حال تجعل من الغريب أن تتحول حدية المواقف إلى شتائم شخصية، سوى أن ننظر إلى الأمر من زاوية ما ينطوي عليه من تسرّع ونقص في الروية، لا أكثر، أخذاً بالاعتبار ما تنطوي عليه كل تلك السلوكيات من عاطفة جياشة لدى معظم المتحاورين والمختلفين، تجاه مصلحة أوطانهم.
سلوك الرأي العام في اختيار المواقف والتعبير عنها، لا يجوز إدانته إلا من زاوية الحرص على ترشيده، كي يُوظّف المخزون الجماهيري من حب الأوطان بشكل إيجابي، يخدم نهضة هذه الأوطان ونموها وتقدمها. وكثيراً ما احتار "منظّرون" في كيفية ترشيد هذا السلوك المتسرع في "الحوار العام"، حتى انزلق بعض دعاة الحرية إلى المطالبة بتقييد حرية الرأي وآليات ووسائط التعبيرعنها، لما لمسوه في تلك الآليات والوسائط من عدوانية زائدة عن الحد، استندت في حالات إلى العصبيات القومية والطائفية، وانطوت في حالات أخرى على تشكيك في الوطنية واغتيال للشخصية، بدلاً من مناقشة الأفكار والرد على الحجة بالحجة؛ فحذوا بذلك حذو أعداء الحرية الذين عادة ما كانوا ينتهزون مثل هذه الفرص للمطالبة بمحاصرة وسائط التعبير عن الرأي، ولكن ليس من باب الحرص على الصالح العام، بل من باب استيائهم من كل حرية يحوزها الناس!
التشهير والعنصرية والكراهية، هي أمراض اجتماعية لا يجوز السكوت عنها. لكن حلّها لا يكون بالقمع والمنع، أياً كانت الذرائع؛ لأن أي ذريعة يمكن سوقها في هذا المجال، يمكن أن يتوسع تطبيقها ليقضم كل حرية أخرى، بحجة المصلحة العامة أيضاً. هكذا، ليس منطقياً أن نسمع من يدعون إلى "قوننة" ملاحقة الناس في مواقع التواصل الاجتماعي، ضمن أطر تشريعية خاصة، سوى تلك التي تتيحها القوانين الموجودة، ولا بحجة الحفاظ على السلم المجتمعي، بخاصة حين تعرض مواقع التواصل الاجتماعي آراء المتحاورين بدون تعبئة أو إثارة، حتى لو انزلقت إلى التخندق وما فيه من احتكاكات شخصية.
هذه مرحلة يمكن أن تنقضي مع الوقت والخبرة والتجارب؛ فنحن ما نزال حديثي العهد نسبياً بحرية التعبيرعن الرأي بدون رقابة، وشيئاً فشيئاً سيتحول النقاش بين الناس من الاعتماد على مواقفهم المسبقة، إلى تمحيص الأشياء بناءً على معلومات حقيقية. ما يعني أن ترشيد الرأي العام والحوار العام، هو "مسألة وقت" يجب الصبر عليه حتى ينضج. يبقى أن يتجنب الناس الانجرار وراء المتاجرين بالقضايا العامة والشعارات الكبرى، كي يُحال بينهم وبين تعبئة "الحوار العام" على قاعدة إشاعة الكراهية والانقسام.
المراجع
alghad.com
التصانيف
صحافة سامر خير أحمد جريدة الغد العلوم الاجتماعية