قال لنا مسؤولون في الدولة ان كلفة الحراك والمسيرات بلغت كذا وكذا، وبث الاعلام الرسمي بكائيات عدة من اجل حركة الاقتصاد التي "تتعطل" في وسط البلد بسبب الآلاف التي ترفع صوتها المطالب بالاصلاح في الشوارع، ولكن احدا لم يخبرنا بعد عن كلفة الفساد الذي امتدت يده الى حليب اطفالنا.
الامن العام بوصفه القوة التي تحمي التظاهر بلغت كلفة الحراك على موازنته نحو 29 مليون دينار وفقا لمديره الفريق حسين المجالي، ويمكن اعتبار ان 4361 فعالية ومسيرة واعتصاما ووقفة احتجاجية على امتداد العام الماضي وبعدد 1318 للشهرين الاولين من العام الحالي يدفع الى القول ان منسوب الغضب في البلاد مرتفع وان حجم خطر الفساد السياسي والاقتصادي متفش وهو ما يدفع الأردنيين لمواصلة الاحتجاج بغية الوصول الى بر الامان.
بعيدا عن كلفة الحراك الشعبي ومسيراته فهي محدودة ولا تذكر مقارنة بكلفة الفساد في الأردن، واذا علمنا ان كلفة الفساد باذرعه المتعددة تشكل نحو 300 بليون دولار من اقتصادات الدول العربية وهذا الرقم يعد مرتفعا بالمقياس الأكبر فهو يحصد ثلاثين في المائة من كلفة الفساد على مستوى العالم، وهو في الأردن وفقا لتقديرات غير رسمية يستحوذ على ما لا يقل عن بليوني دولار سنويا والتي تستنزف من موارد الدولة وموازنتها.
دع عنك الارقام وتخيل ما الذي كان الحراك سببا فيه، ستجد ان الفرصة التي قدمها الربيع العربي بحراكه الأردني تعد كبيرة وثمينة، فالحيتان الذين لم يجرؤ احد على الاقتراب من شواطئ فسادهم اصبحوا هدفا للنقد والمساءلة وبعضهم قيد التحقيق القضائي اليوم وآخرون حكم عليهم القضاء ومنهم من ينتظر دوره في المقبل من الايام، واصبح الشارع يسمع عن تهم تهريب اموال وعن عطاءات وتلزيمات وصفقات وهمية مست جوهر الاقتصاد في بنيته من خلال علاقة مشوهة ظلت قائمة وما تزال بين القطاعين العام والخاص.
بسبب الحراك استؤنف السؤال الجدلي حول الولاية العامة للحكومة وقدرتها على ضبط ايقاع الاقتصاد بدون أي تدخل لاي جهة كانت أمنية ام سياسية، ولعل الحراك من سيفتح بالفعل ملف الخصخصة الذي مر على الاردنيين بدون مساءلة وتم عبره بيع موجودات الدولة باثمان بخسة وعبر صفقات تطالها الكثير من الشبهات ولا اعتقد ان ما حدث في ملف الفوسفات وبيع جزء من اسهمه الى شركاء في بروناي الا بداية للسير في المساءلة حيال شركات التعدين التي تشكل ثروة حقيقية للأردنيين لكنها بيعت في ظروف اقرب الى الغموض منها الى الوضوح.
وسلط الحراك بزخمه وصوته القانوني الاضواء على كل من يعمل خارج نطاق الدستور وهو يسعى بذلك – اي الحراك - الى تقييد اي سلطة فردية او مؤسسية تحاول المساس بحقوق الأردنيين الاقتصادية وثرواتهم، وباتت النخب تتحسس الرأس، وامسى سؤال الرقابة والانتقاد سيدا على مسرح غاب عنه هذا السؤال لوقت طويل، بل ان ايقاع المؤسسات بما فيها الدستورية اصبح يلتفت الى صوت الشارع ويحاول الاقتراب منه، في حين كانت تلك المؤسسات قبل بضع سنوات عرضة للابتزاز والتزوير والاضعاف باعتبار ان السلطة والثروة كانت تتركز في ايدي قلة معروفة على حساب الشعب الذي كانت تزور ارادته جهارا نهارا.
الملايين التي ذكرها المجالي لا تذكر امام كلفة الفساد التي عطلت نمو وتطور اجيال أردنية لمجرد ان حفنة ممن جلسوا على الكراسي استغلوا سوء وفساد توزيع الثروة والسلطة، هي الكلفة التي تزيد من تحديات الفقر والبطالة وهي اللعنة التي تلاحق كل اللصوص في العالم العربي وفي الأردن حتى جاء الربيع العربي ليضع حدا لمرتكبي تلك الجرائم.
 

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

جريدة الغد   صحافة  حسن احمد الشوبكي