ما من شك في أن الشباب كانوا وقود الثورات العربية التي هبت رياح التغيير المرافقة لها منذ عام ونصف العام. والشاب محمد البوعزيزي استطاع قلب المعادلات التي كانت سائدة في محيطنا المتخلف بمجرد أن أقدم على حرق نفسه. وقد تفوق بذلك، ومن ورائه ملايين الشباب العربي، على من سواهم من أجيال طال تعثرها، وقوى تقليدية سياسية واقتصادية؛ معارضة وغير معارضة، كانت أقرب إلى الديكور منها إلى التغيير وتحسين أحوال الناس.
رصد ودراسة نبض الشباب العربي في معمعة التغيير هذه ما يزالان قاصرين، رغم وجود محاولات تسعى إلى إعادة فهم دور الشباب الذي يتصاعد في دول حصلت فيها ثورات، مثل تونس ومصر واليمن وليبيا، وأخرى تشهد حراكات مطالبة بالإصلاح، مثل الأردن والمغرب.
ثمة دراسة محلية ذهبت إلى أن الفقر والبطالة وتفشي الفساد كانت محركا رئيسا للحراك في الأردن. وهذا منطقي في جانب. لكن إظهار أسباب وتورية أخرى في محاولة فهم سلوك عام انتشر على نحو غير مسبوق في بلادنا، أمر لا يعد دقيقا. وأعتقد أن ثنائية الفساد وتراجع الحريات أو غيابها، أكثر دقة في بحثنا لفهم سلوك المتظاهرين والمطالبين بالإصلاح، وهذا ما كان فعلا. فالصوت السياسي المطالب بالحرية والكرامة وإزالة التشوه الذي لف سلطة الشعب، كان يترافق مع الصوت الداعي إلى إعادة توزيع الثروة؛ وكلاهما ذراعان سياسية واقتصادية. وتختلط الأمور بين المطلبين والصوتين لدى كثيرين، حتى بات التفريق بينهما صعبا، ولو لغايات بحثية.
إذن، هي ثنائية عاثت خرابا في معظم الدول العربية. فالفساد وغياب الحريات وجهان لعملة واحدة، ويمكن القول إنهما عاملان واضحا الملامح، وعانى تحت استمرارهما الملايين من الشعوب المقهورة الباحثة عن فرصة عمل وكرامة مهدورة.
ومما يدعو إلى القلق نتيجة أظهرتها دراسة مركز عدالة لحقوق الإنسان، نشرت مؤخرا، مفادها أن 73 % من الشباب الأردني لا يشاركون في الفعاليات والمسيرات التي تجري محليا. وهذه نسبة تستلزم دراسة وحدها لمحاولة فهم سلوك الشباب في البلاد، وحقيقة ما يتطلعون إليه، وطبيعة حراكهم من عدمه، وما هي العوامل المؤثرة فيهم، وهل يستطيعون التحرك منفردين ليوصلوا رسائل إلى صانع القرار ومؤسسات الدولة؟
واحد فقط من بين كل أربعة شباب أردنيين يشارك في مسيرة وفعالية احتجاجية. إنها فعلا نسبة تؤشر على أن الشباب في وضع ملتبس، أو ربما يشبه حال عدم اليقين التي تمر بها الدولة عموما والمنطقة العربية. فثمة ثورات لم تهدأ رغم سقوط رؤوس الأنظمة، وبالنسبة للدول التي شهدت احتجاجات للمطالبة بالإصلاح فحال عدم اليقين يبدو أكثر وضوحا، وقد يكون الشباب الأكثر تأثرا بتلك الحالة، مما يدفع إلى عزلتهم وتجاهلهم للشارع وما يدور فيه.
إذا كان ربع الشباب فقط هم من يعبرون عن أنفسهم عبر مشاركتهم في الحراك، فالأمر يدعو إلى الدراسة والتمحيص بالنسبة لمن تبقى منهم. فالزعم أن لدينا أغلبية صامتة يجب أن يدرس، وأن يعرف موقع الشباب من هذه الأغلبية، وهل هم راضون أم غاضبون؟ ومتى يبرز العامل الاقتصادي أمام عيونهم، وكيف يختلط السياسي بالاقتصادي؟ يبدو أننا نحتاج دراسات كثيرة.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

جريدة الغد   صحافة  حسن احمد الشوبكي