في أعرق الدول التي قفزت إلى مرتفعات عالية في مجال الترويج السياحي الخارجي وجذب السياح، يستند شرط النجاح الى القوى البشرية المؤهلة، والإنفاق، وبراعة الخطط، وتشكيل منتج سياحي قادر على الجذب مهما اشتدت الظروف والتقلبات. أما البحث عن شماعات لإخفاق الخطط وضآلة الإنفاق على السياحة وتشتت المرجعيات، فهو الفشل بعينه. ومنذ عقدين وأزمة الشكل والجوهر في جذب السياح الأجانب ماثلة بدون حلول استثنائية.
آخر تصريحات لوزير السياحة والآثار رسمت صورة مبالغا فيها لأثر الاحتجاجات التي تشهدها البلاد، من وقت لآخر، بغية المطالبة بالإصلاح. ومفاد الرؤية الحكومية هنا أن أكبر مشاكل السياحة هي ما سماه الوزير "التضخيم الإعلامي لما يجري من حراكات سياسية"، ما يؤثر سلباً -بنظره- على السائح الغربي. وفي ظني أن الوزير ذهب بعيدا بدل الإجابة عن سؤال الضعف المتراكم في تكريس وتعزيز الاستثمارات السياحية، وهي مسؤولية وزارة السياحة؛ أو في جذب أفواج السياح من الخارج، وهي المهمة التي تقع على عاتق جهات عديدة على رأسها هيئة تنشيط السياحة.
سُكب حبر كثير في الحديث عن ضآلة مخصصات الترويج للسياحة في بلادنا مقارنة بمخصصات تتضاعف مرات ومرات في مصر وإسرائيل. ولا يخفى على كثيرين أن العلاقة بين وزارة السياحة وهيئة التنشيط وجمعية الفنادق والسفارات الأردنية، بل والعلاقة بين القطاعين العام والخاص، في الشأن السياحي ليست في أحسن أحوالها. ولم نصل بعد إلى مرحلة التأسيس لثقافة السياحة في المدارس والجامعات وفي أوساط المجتمع عموما. كما أننا فشلنا في التعامل مع السياحة بوصفها صناعة، يمكن أن تكون نفط الأردن إن تصدرت أولويات الدولة بقطاعاتها المختلفة. فواقع الحال يفيد أن نهج التعامل مع ملف السياحة والخدمات والقدرات البشرية، ومعها الخطط والاستراتيجيات ونفقات الترويج، يتحرك في نطاق ضيق، فلا تقوى على المنافسة الحقيقية، رغم أن الأردن متحف كبير ومتميز أثريا، وفيه مناخات تستقطب السائح الباحث عن الأديان أو الطبيعة الخلابة.
لنتخيل معا لو كانت ثروات الأردن السياحية، الأثرية والدينية، تحت إدارة شبيهة بالإدارة الماليزية للمنتج السياحي الأكبر في آسيا، ما الذي سيحدث؟ حتما ستستحوذ البتراء على أكثر من 20 % من الناتج المحلي الإجمالي، وستشغل وحدها أكثر من 40 ألف فرصة عمل مباشرة، هي قوام القوى العاملة في القطاع اليوم. أما الوضع الراهن، فيكشف، للأسف، أن السياحة بمجمل مداخيلها لا تشكل أكثر من 14 % من الناتج المحلي. إذن، المشكلة ليست في حراكات سلمية تخرج بالآلاف، وأحيانا بالمئات، للمطالبة بإصلاحات تضمن مستقبلا أكثر منعة للدولة.
ليس سرا أن سفيري دولتين أجنبيتين غادرا الأردن لبضعة أيام قبيل "مسيرة إنقاذ الوطن"، وحذرت سفارات أخرى رعاياها من الاقتراب من وسط العاصمة عمان. وسبب هذا الهلع -كما قال لي أحدهم- لم تكن المسيرة التي كانت حضارية وشديدة التنظيم، ولم يُجرح فيها مشارك أو رجل أمن، وإنما السبب هو حملة التحريض التي  سبقت المسيرة بأسابيع.
صناعة السياحة عملية متكاملة، لا تقف عند تفاخر مسؤول بالأمن والاستقرار فقط، على أهميتهما. ودخلنا السياحي تزايد منذ بداية العام بسبب تدفق السياح العرب، لاسيما من دول الخليج. والمأمول أن يصل منتجنا السياحي إلى مستوى ناضج يليق بكنوز البلاد. 
وللعلم، فإن السائح الأجنبي يفرح بالاحتجاج السلمي ولا يخاف منه، ويعتبره شكلا ومضمونا مكملا لمجتمع يؤمن بالتعددية وينبض بالحياة.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

جريدة الغد   صحافة  حسن احمد الشوبكي