وفرت الحكومة للأردنيين مادة دسمة لحديث العيد. ففي أول يوم من عيد الأضحى، وهو الجمعة الأخيرة من شهر تشرين الأول (أكتوبر)- كان يفترض تأخير الساعة ستين دقيقة، لكن الحكومة عمدت إلى توحيد العمل بالتوقيت الصيفي بدون تغيير، في قرار يبدو غير مدروس، واتخذ خلال نصف ساعة بدون تقديم مبررات للرأي العام.
حدثت تباينات في حركة الأردنيين صبيحة أول أيام العيد، وبدت جلسات العيد استوديوهات تحليلية لقرار الحكومة، يشارك فيها من يعرف ومن لا يعرف. وكانت السخرية من الواقع الاقتصادي المتورم سيدة الموقف؛ إذ كان جمهور المستهلكين ينتظر قرارات تخفف من غلواء المعيشة وصعوبتها، أو على الأقل رسم خريطة طريق لكيفية تطبيق قرار محتمل في الفترة المقبلة يتمثل في رفع الدعم عن أسعار سلع أساسية، لكن فوجئ الجميع بقرار توحيد التوقيت الذي يضر الاقتصاد ويمس سلامة الأطفال وأمنهم، لاسيما طلبة المدارس.
ولا أعلم ما الجدوى الاقتصادية من قرار الحكومة جعل دوام الوزارات والمؤسسات والهيئات العامة من الساعة الثامنة والنصف صباحا وحتى الثالثة والنصف مساء اعتبارا من اليوم الثلاثاء، بينما أبقت بدء دوام المدارس والجامعات من الساعة الثامنة صباحا؟ وما الدافع وراء الإبقاء على التوقيت الحالي طيلة أيام السنة؟ فمحاكاة مواعيد شروق الشمس وغروبها في فصلي الصيف والشتاء أمر ينطوي على تحقيق وفر في استهلاك الطاقة الكهربائية وفي أجهزة الإنارة. إذ كان تطبيق التوقيت الشتوي سيختصر من الفترة التي تمتد من غروب الشمس حتى وقت النوم ساعة واحدة. أضف إلى ذلك أن استهلاك الطاقة سيكون قبل البدء بدوام المدارس وبعد عودة الطلبة إلى بيوتهم، وفي الحالتين غابت الميزة الاقتصادية عن القرار التقليدي الذي كانت تتخذه الحكومات  لسنوات خلت.
وفي موازاة العامل الاقتصادي الذي غاب، فإن العامل الأمني وسلامة أطفالنا يجب أن يكونا أولوية بالنسبة للحكومة. وبموجب القرار الأخير، فإن عددا كبيرا من الطلبة يبدأ دوامه قبل شروق الشمس، ويمكن أن نتخيل حجم الأخطار التي تقف وراء بدء حركة الطلبة في أجواء الظلام. وتتزايد حدة الخطر بالنسبة لأبناء القرى الذين ينتقلون أحيانا من قرية إلى أخرى، ويعبرون أودية وجبالا، ليصلوا إلى مدارسهم. وفي رحلة الذهاب إلى المدرسة فجرا ضمن جغرافيا وعرة لا تغيب عنها حركة حيوانات برية مفترسة، يصبح الأمر ضربا من الجنون لأطفال أعمارهم بين السابعة والثانية عشرة. وليس معلوما لماذا قامت الحكومة بتجاهل الفرق الزمني بين شروق الشمس وغروبها في فصل الصيف، وهو الذي يزيد عن فصل الشتاء.
وفي تحليل قرار توحيد التوقيت، تبرز أمامنا ملامح الطلب على السلع والخدمات، ومستوى الإنتاج والإنتاجية لدى العمال، إضافة إلى استهلاك الطاقة والوفر في الكهرباء أو التوسع في الإنفاق الكهربائي. ليس الأردن معنيا بتوحيد القرار كما في دول أخرى مثل السعودية؛ فتوقيت مكة المكرمة يعد مرجعا لدول إسلامية وعربية كثيرة، وساعات العمل مرنة بالنسبة للعاملين في السعودية تبعا لدرجات الحرارة المرتفعة هناك. أما بالنسبة لنا فالأمر يختلف كثيرا، ولسنا مضطرين لتوحيد التوقيت طيلة أيام السنة.
برر بعض الوزراء القرار باعتباره سيقلل من أزمة السير، لوجود فروقات بين دوامي المدارس والمؤسسات والهيئات العامة، وربما البنوك ومؤسسات القطاع الخاص. ولا أعتقد أن حل أزمة السير -غير الخانقة في بلادنا- يكون من خلال إرسال الأطفال إلى مدارسهم في العتمة، وإرباك مواعيد شركات الطيران، ومثلها نسق عمل البنوك وشركات القطاع الخاص.
القرار ارتجالي، والعودة عنه حكمة ينتظرها كثيرون.

 

حسن احمد الشوبكي


المراجع

ammanxchange.com

التصانيف

صحافة  حسن احمد الشوبكي   العلوم الاجتماعية   الآداب