ونحن في خضم الأزمة التي ما تزال ملامحها ماثلة، تدور في الذهن أسئلة عن حقيقة ما جرى وما كان يجب أن يجري، لتدارك الخطر الذي انطوى عليه قرار إلغاء الدعم عن أسعار الوقود.
في تقديري، فإن الحكومات المتعاقبة، ومنها الحكومة الحالية، نأت بنفسها عن الجراحة اللازمة لتحقيق الوفر المستهدف لرفد الخزينة بالسيولة الكافية، من خلال ترحيل الأزمات وتوسيع حجم الإنفاق والهدر والفساد في مقابل عدم المساس بأصحاب المصالح والنفوذ والثراء، حيث لا تقوى الدولة على مواجهتهم. واستقوت الحكومات، بطبيعة قراراتها، على جيوب المواطن.
النصف مليار دينار الذي استهدفته الحكومة بقرارها الأخير في متناول اليد، لو صدقت النوايا. حدثني مسؤول مالي أن بإمكان دائرة الضريبة وحدها القيام بتحصيل مليار دينار بدون جهد استثنائي، بل من خلال عدم المسامحة في حقوق الخزينة وملاحقة المتهربين. وبالنسبة لمن يتهرب من الضريبة فحدّث ولا حرج، وهناك قطاعات اقتصادية ناجحة بامتياز لا تدر على الخزينة إلا النزر اليسير.
ولمن لا يعلم، فبعض البنوك لدينا لا يدفع ضريبة أو يهوي بها إلى أدنى مبلغ ممكن. ولعل النسبة الهزيلة التي تقتطع من أرباح البنوك لا تعبر حقيقة عن علاقة صحية بين ما يتحقق من أرباح وما يجب أن يصل للخزينة في بلد يشكو من شح المياه، ويستورد النفط والغاز، ويعاني من الفقر. وهو ما يستوجب تغيير قانون الضريبة بحثا عن العدالة.
وبين ظهرانينا أطباء كبار بسمعة إقليمية وعالمية، يحققون عوائد تتخطى 20 ألف دينار يوميا، ولا يدفعون لخزينة الدولة إلا الفتات. أما ميزانيات بعض المستشفيات الخاصة فالمسألة فيها ضبابية كيفما نظرت إليها. والمتوالية تستمر بالنسبة للمدارس الخاصة وشركات الخدمات المالية وغيرها من قطاعات تجني أرباحا بالفعل، لكن لا يشاركها في أرباحها أحد، كأنها تزاول أعمالها على سطح المريخ!
ثمة بيانات رسمية تؤكد أن تهرب الأطباء الضريبي يفوق مائة مليون دينار، فيما يتخطى تهرب مستشفيات خاصة مبلغ 150 مليون دينار، يتم بطرق تبدو قانونية، وأحيانا من خلال تجديد الإعفاءات. وفي الوقت الذي تذهب فيه التقديرات الحكومية إلى أن التهرب الضريبي يفوق 700 مليون دينار، تشير التقديرات غير الرسمية إلى أن إجمالي التهرب يتجاوز مليارا ونصف المليار دينار. وأعتقد أن الخروج من المأزق المالي الذي نمر به لا يكون إلا بنظام ضريبي حازم وفعال، ذي قدرة على تحصيل الحقوق ممن يربح وممن لديهم ثروات ناتجة عن نشاط اقتصادي على الأراضي الأردنية.
المؤلم في مسار التدهور الاقتصادي، وصولا إلى الغضب الأخير الذي عم البلاد بسبب قرار إلغاء الدعم، هو أن الحكومات المتعاقبة لم تقم بالدور المطلوب منها كي توفر للخزينة الإيرادات المطلوبة من جيوب الأثرياء أو القطاعات التي تربح بالفعل؛ بل لجأت الدولة مرارا إلى جيوب الفقراء الذين أصبح همّ العيش شبحا يرافقهم في الليل والنهار.
الخطوة التي اتخذتها الحكومة أول من أمس بشأن إلغاء هيئات ودمج أخرى خطوة مفيدة وضرورية، ولكنّ توفير السيولة للخزينة أمر أكثر إلحاحا في هذه الفترة الصعبة. وأكرر ما سبق: إن الجراحة لإنقاذ البلاد من مأزقها المالي والسياسي والأمني، تقتضي وجود جراحين لا ممرضين، بأيدٍ لا ترتجف تصيب هدفها بدقة.
حسن احمد الشوبكي
المراجع
ammanxchange.com
التصانيف
صحافة حسن احمد الشوبكي العلوم الاجتماعية الآداب