أي إصلاح اقتصادي في البلاد يجب أن يأخذ على محمل الجد مستويات الدخل للأردنيين وتوزيعه بالنسبة للفئات الأكثر اتساعا وانتشارا، وتزيد البيانات التي تتناول موضوع الدخل ومستوياته من منسوب القلق لدى المخطط الاقتصادي ورجل الشارع على حد سواء، فالواقع يشير الى تدني القدرة الشرائية للمواطن ويقابل ذلك ثبات نسبي في الاجور والرواتب.
احدث البيانات الرسمية في 2011 كشفت ان 89 % من العاملين الاردنيين يحصلون على اجور تقل عن 500 دينار، ولا اعتقد ان هنالك فرقا جوهريا بين نتيجة العام الماضي والحالي، والاردنيون يعلمون كم من الوقت يصمد مبلغ الخمسمائة دينار فهو في احيان كثيرة لا يصل منتصف الشهر وسط زيادة المصروفات وثبات الاجور واتساع رقعة التضخم لتشمل معظم السلع والخدمات، لا سيما بعد رفع الدعم عن اسعار الوقود وخلافا لما تقوله الحكومة من ان رفع الاسعار لن يمس الفقراء.
ثمة نسبة اخرى تدعو للقلق اصدرتها دائرة الاحصاءات العامة مؤخرا وهي ان 53 % من رواتب الاردنيين العاملين تقل عن 300 دينار، وان 15 % من رواتب العاملين تقل عن 200 دينار، وهي كلها نسب تشير الى ان هنالك موظفين وعاملين لا يحصلون الا على الفتات بينما هناك ثروات تتركز في ايدي قلة من السكان لا تتجاوز العشر، وعودة على الفرضية الآنفة، فان اي اصلاح لا يتعامل مع تلك التشوهات فإنه لن يصيب الهدف الرئيس وهو تحسين شروط حياة الأردنيين ونقلهم من حال الى حال جديدة.
اما التشوه الاكبر في تقديري فهو في انحسار من يعملون لحسابهم الخاص بما نسبتهم 9 % من اجمالي العاملين للعام الماضي، وهنا تبرز إشكالية التمويل، إذ تحقق البنوك أرباحا طائلة وتزيد الملايين لديها لا سيما الجاهزة للاستخدام، بينما تبقى التمويلات الصغيرة والمتوسطة للمشروعات تعاني تحت وطأة الشروط، ورغم ان برامج تمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر حققت نجاحا نسبيا في السنوات الاخيرة، الا ان التعقيدات والشروط المبالغ فيها التي تضعها البنوك تجعل الأردني أقرب الى طلب الوظيفة بدل الدخول في مشروع صغير بتمويل محدود، وفتح مشروعات خاصة تسهم في تحسين مستوى المعيشة وتؤسس لتقدم على الصعيد الاقتصادي لهم ولاسرهم.
الاصلاح الاقتصادي شمولي وواسع ولا يقف عند المساءلة وتقييد الفساد ووقف هدر المال العام فقط، وانما يتعدى ذلك الى جعل الاقتصاد ومؤسساته في خدمة الانسان، باعتبار ان المواطن هو اداة التنمية وهدفها ومن دون توسيع دائرة المشاركة الاقتصادية للاردنيين ستبقى ثقافة الوظيفة وضماناتها- بحدودها الدنيا - ومستويات الاجور الهزيلة الطريق الوحيد في وجه كل أردني يسعى الى الوقوف على أرض صلبة.
تكريس الفرق الكبير في توزيع الثروة على مستوى البلاد والاستمرار في رسم مشهد الاردني بوصفه الباحث عن كرسي ووظيفة، وتعقيد الشروط امامه اذا قرر دخول عالم الاعمال الخاصة، كل هذا سيتسبب في تعزيز صورة الفشل الاقتصادي، وربما نصل في سنوات مقبلة الى ان يكون ثلث رواتب العاملين دون مستوى 200 دينار، والمسألة لا تقبل الانتظار، فمن يريد ان يوسع المشاركة الاقتصادية للمواطنين لتخليصهم من التبعية لوظيفة لا تقدم فيها، يجب ان يضع شروط النجاح والتسهيلات امامهم.
للأسف الرعب الذي تنطوي عليه النسب والاحصاءات الاقتصادية لم يستوقف الحكومات المتعاقبة، والمأمول ان تقف أمامهما اليوم تأسيسا لمستقبل جديد لا تشوهات فيه.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد حسن احمد الشوبكي