بعد غرق الكثير من شوارع العاصمة، وتعطل الحياة لأيام، والتخبط الذي بدت عليه الأجهزة المدنية المسؤولة عن البنية التحتية، لا بد من وقفة مساءلة عما حدث، وتسليط الضوء مجددا على قدراتنا المحلية في إدارة الأزمات، لاسيما التي تكون بفعل الطبيعة والأحوال الجوية.
صحيح أن أحدا لم يمت بفعل الأحوال الجوية الاستثنائية التي مرت بها البلاد، وصحيح أيضا أن الجيش حسم الموقف بعد تدخله لوقف نزيف الخسارة بسبب العاصفة الثلجية والأمطار التي سبقتها، ويسجل له وللأمن العام والدفاع المدني تلك الجهود الجبارة التي أدارت الأزمة وقللت من حجم الخسارة، إلا أن الأمر لا يقف عند ذلك. فالأسئلة كثيرة، وعلى رأسها: لماذا غرقت الشوارع بمياه الأمطار؟ وأين هي حدود المسؤولية التي تقع على كل من أمانة عمان وشركة مياهنا ووزارتي البلديات والأشغال، حيال كفاءة البنية التحتية، والقدرة على تصريف الأمطار وإدارة الأزمة المتعلقة بكميات أمطار غير مسبوقة؟ وهل كان ثمة من خطط لإدارة هذه الأزمة بالفعل، أم أن الارتجال كان سيد الموقف؟
لا أعتقد أن الحكومة كانت ستلجأ إلى قرار تعطيل الدوام يومين متتاليين لو كانت الخطة والجاهزية للحالة الجوية كما ينبغي، ونفذت بشكل مدروس. وما رشح من مواقف المسؤولين عبر أثير الإذاعات وفي الصحافة، يشير إلى حالة من الارتباك وعدم الجاهزية. 
فالمسؤولون في أمانة عمان يتساءلون: أين المشكلة في تأخر أحد الأفراد لمدة ساعة ضمن هذه الأجواء الماطرة؟ وقال أحدهم بالحرف: ما المشكلة في التأخر ساعة على لعبة "شدة"؟ وآخر أطل علينا وأمطرنا بعلم جديد لم نألفه، مفاده أن تصميم الأنفاق التي تنفق عليها موازنة الدولة، ومعها الجسور والشوارع، أكثر من 55 مليون دينار سنويا، يتم وفقا لظرف مطري عادي، أما الاستثنائي الذي حصل قبل أيام، فلا قدرة لنا به. وتتراشق مؤسسات وشركات في الدولة الاتهامات بين عجز تصريف الأمطار ورداءة شبكة الصرف الصحي.
قبل نحو أربعة أشهر، قرأت تصريحات لمسؤولين في أمانة عمان حول تعبيد بعض شوارع العاصمة، واستخدام المجسات الإلكترونية "سنسرز" التي ستعمل على تحقيق الميول الجانبية للشوارع بقصد الوصول إلى تصريف مياه الأمطار بطريقة هندسية صحيحة. وسيتأتى ذلك عبر إعطاء قراءات لآلية التعبيد، يتحدد بموجبها الميل المطلوب في الشارع الذي يجري تعبيده. تلك التصريحات جديرة بالاهتمام، والمطلوب أن يكون لدينا شوارع كتلك التي رأيناها في الدول المتقدمة؛ بميول محددة لا مكان فيها لبرك المياه في الشوارع.
إدارة الأزمة تعني التخطيط المسبق لأي تطور سياسي أو حدث اقتصادي، أو حتى لمباراة رياضية، فما بالك بالتقلبات الجوية والعواصف الثلجية، فهذه تحديدا لا يجدي معها الاسترخاء أو الارتجال. فالخطط البديلة لانقطاع الكهرباء يجب أن تكون حاضرة، ومثلها خطط فتح الطرق وتصريف مياه الأمطار وتجهيز المستشفيات، وكل ملامح التعامل مع ظرف استثنائي بامتياز. أما إضاعة الوقت في الحديث للإعلام عن أن المطر نعمة من رب السماء وعلينا تحمله، فهو الفشل بعينه.
بالمناسبة، قصة عجز البنية التحتية أمام التقلبات الجوية عربية وليست أردنية فقط؛ فعواصم كثيرة من حولنا رأينا ما يحدث فيها عندما يزيد منسوب الأمطار عن المتوقع. وفي تقديري أن المسالة ليست إلا فشلا في تجهيز البنية التحتية، وربما فساد تبعه غياب لما يسمى في الدول المتقدمة "التخطيط وإدارة الأزمات".

 

حسن احمد الشوبكي


المراجع

ammonnews.net

التصانيف

صحافة  حسن احمد الشوبكي   العلوم الاجتماعية   الآداب