مع "جمعة المناسف" أمس، والتي نشرت مشهدا للولائم غير مسبوق في معظم المدن والقرى والمخيمات قبيل الاقتراع في الانتخابات النيابية بأيام، يكون الإنفاق على الحملات الانتخابية المحمومة قد دخل في أرقام جديدة لم نألفها من قبل، يقابله غياب تام لمناقشة الهمّ الاقتصادي، بتفاصيله الموجعة، في أسابيع الدعاية.
وفي تقديري، فإن كلفة المناسف التي قدمت خلال هذا الشهر تقارب 12 مليون دينار، وتشكل نحو 16 % من إجمالي الإنفاق على الحملات الانتخابية المقدرة بنحو 75 مليون دينار، والتي تشمل كافة أوجه الإنفاق، بما فيها جرائم شراء أصوات الناخبين.
الشكل والمضمون في مسار الحملات الانتخابية وأموالها، يكشفان حجم هشاشة المجتمع ونخبه، وينقلان للعالم صورة لا تليق بالأردنيين. فالعنوان الأبرز في هذه الصورة هو أن المرشحين يسعون إلى إطعام الفقراء وغيرهم بطرق مشروعة وغير مشروعة، ولكنهم لا يناقشون وجع الفقر والتهميش وسوء توزيع الثروة؛ وتحديات المرحلة المقبلة بما فيها تقديم إجابات واقعية عن أسئلة المعيشة والاقتصاد الملحة.
هل سمع أو رأى أحدكم مناظرات، أو حتى خطابات، لمرشحي الانتخابات حول القرار المرتقب برفع أسعار الكهرباء الذي تلوّح به الحكومة منعا لإفلاس الدولة كما تدعي؟ هل ناقشت قائمة من القوائم الإحدى والستين موضوع الكهرباء هذا، أو خصخصة موجودات الدولة، أو خريطة الاستثمار في البلاد، أو آفاق ربط نمو الاقتصاد بتحسين مداخيل الأفراد للارتقاء بمستوى المعيشة؟ النقاش حول تشريعات تشغل بال كل الأردنيين، مثل الضريبة والضمان الاجتماعي والمالكين والمستأجرين وغيرها، هل وجد طريقا إلى القاعات والخيم التي استأجرها المرشحون، أم أن هذه المقرات كانت تقدم حصرا المناسف والكنافة، والحديث العام غير المتماسك وغير المجدي، شأنها في ذلك شأن مجالس بيوت العزاء وحفلات الأفراح والجاهات المكررة والمتشابهة؟! ألم يكن من المفيد البحث في المحافظات عن وسائل لبناء تنمية بمفهوم جديد، تسمح للأطراف بأن تكون ضمن نسق التفكير الاقتصادي للمركز؟
تمنى كثيرون أن تشهد مقار المرشحين مناظرات عميقة، تحاول الإجابة عن سؤال الإصلاح الاقتصادي؛ مناظرات تنطوي على عقلنة وحكمة، وفيها مبادرات تخدم إثراء النقاش الوطني حول همومنا، وتسند أي خطط أو استراتيجيات لإدارة المرحلة التي تلي الانتخابات. وثمة إشكاليات يواجهها مسار التنمية كان من الأجدى الحديث عنها، وتشخيصها، والبحث في حلول لها من خلال حوار انتخابي جاد، لا مكان فيه للحلويات والولائم الخادعة.
لا جدوى من تلك الأمنيات؛ فالمرشحون ومندوبوهم وأنصارهم انشغلوا في تدبير أطنان اللبن والجميد واللحم المستورد، لكي تظهر الولائم بما يليق بسمعة المرشح الذي يتطلع إلى كرسي التشريع والرقابة من منظور ضيق، ولم يتفرغوا لنقاش الهمّ المعيشي للناخبين وأسئلة الإصلاح الاقتصادي؛ فماراثون الولائم والحلويات، وقبلها الرشى واللعب على فقر جمهور غير قليل من الناخبين من خلال شراء أصواتهم، كل ذلك كان أولوية بالنسبة لمرشحين ليسوا ساسة أو معنيين حتى بالإصلاح والتطوير.
خرج الأردنيون إلى الشوارع في احتجاجات منذ عامين، كي يحسنوا من مستوى معيشتهم، ويؤسسوا لاقتصاد نزيه واستثمارات لا فساد فيها. كما صرخوا من أجل إعادة توزيع الثروة والسلطة في بلادهم على نحو يضمن العدالة الاقتصادية والاجتماعية. لكن بعد كل هذا العناء والكدّ والصبر والتحمل، يأتي مرشحون ليحصدوا ثمرة الاحتجاجات هذه عبر نشر صورهم في الشوارع وهم يبتسمون، حتى تحولت طرقاتنا إلى مسرح لصور تتناثر هنا وهناك بدون أن يرافقها لون أو روح لاستحقاقات الاقتصاد والإصلاح والسياسة.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   حسن احمد الشوبكي