هذه المرة، وعلى عكس انتخابات العام 2008، لم يكن لبشرة باراك أوباما السوداء نصيب كبير من الجدل حول أهليته للرئاسة، أو قدرته على الظفر بها بموافقة غالبية بيضاء من الناخبين الأميركيين؛ فقد كان "الاقتصاد" هو الموضوع الأكثر أهمية في الجدل الانتخابي بين الديمقراطيين والجمهوريين، لتكون المحصلة الحقيقية لاستمرار رجل ينتمي لأقلية عرقية في حكم أعظم دولة عرفها "الغرب" في تاريخه، أن هذا "الغرب" يواصل خطواته على طريق مزيد من التقدم الحقيقي والفعلي، تاركاً أمماً أخرى لم تطمح إلى التقدم، ولم تعمل لإنجازه، متخلفة وراءه أكثر على سلم الحضارة المعاصرة.
تُرى، لماذا لا يفعل العرب أمراً كهذا حين يخُيّرون لاختيار ممثلين لهم، رغم كل ما تتضمنه أدبياتهم التاريخية والدينية من حض على المساواة والعدل بين الناس؟ ولماذا تسود العصبيات القبلية والطائفية والمذهبية والعرقية أجواء العالم العربي من أقصاه إلى أقصاه، فتمنع حتى انتخاب رجل من قبيلة مختلفة أو مذهب مختلف عضواً في مجلس بلدي؟! وماذا عسانا نقول إزاء إعادة انتخاب رجل مختلف تماماً، بلونه وعرقه وأصوله بل ومذهبه ودين أبيه، للزعامة من جديد، والتحكم بأهم المنجزات الحضارية والتكنولوجية والعسكرية التي عرفتها البشرية أبداً؟!
هكذا، بات الفارق جليّاً ما بين المدنية والتخلف: في الأولى، تكون قيمة الفرد في ذاته؛ وفي الثانية، تكون في قيمة الجماعة العصبية التي ينتمي لها بدون اختيار منه. وانطلاقاً من هذا الفارق المحوري، تُبنى الحضارات؛ لأنها تستثمر طاقات أبنائها، لأنهم أبناؤها، بغض النظر عن لونهم ودينهم وعرقهم ومعتقدهم.
لقد أهدرنا كثيراً من طاقاتنا القادرة على دفعنا قدماً على سلم الحضارة. منذ تخلينا عن فلسفة المساواة التي عرفنا في تاريخنا أنها أصل بناء الدول المنيعة والمزدهرة، واخترعنا بدلاً منها فلسفات عنصرية تتفنن في التمييز بين الناس، وتهدر كفاءاتهم بالضرورة. علينا أن نتذكر أن تولي الله محاسبة الناس يوم القيامة، معناه أن يكونوا سواسية في أوطانهم في الحياة الدنيا، أحراراً في معتقداتهم وأفكارهم، ينطلقون من أي فهم يريدونه من أجل هدف مشترك واحد هو "الإعمار"؛ أي بناء أوطان قوية منيعة مزدهرة، كما هي حال الولايات المتحدة اليوم، فلا يكون من حق نفر من البشر التصدي لمحاسبة شركائهم في المواطنة بحجة أنهم يدافعون عن "الحق"، فكل طرف يمكنه أن يدّعي أنه يرى الحق بعينيه، ويفهم المصلحة العامة أكثر من غيره.
لمّا وقعت الأزمة المالية العالمية في العام 2009، اندفع البعض إلى المباهاة بأن "النظام المالي الإسلامي" هو الحل. ماذا إذن عن النظام الاجتماعي الإسلامي الذي يطبقه العالم الناهض على صورة المواطنة والحقوق المدنية، بينما نغرق نحن في عصبياتنا؟
ربما يقرأ كثير من العرب المشهد بغبطة، متمنين أن تصير أميركا مختلفة أكثر مع إعادة انتخاب أوباما وتحلله من مطامع البقاء في البيت الأبيض التي عادة ما تسيطر على الرؤساء في فتراتهم الرئاسية الأولى، فتضعفهم في مواجهة مراكز القوى في السياسة والمجتمع. وتلك أمنية مشروعة. غير أن ثمة ما هو أهم من الأمنيات: ثمة درس يمكن تعلمه من إعادة انتخاب أوباما بدون الالتفات هذه المرة إلى أصوله العرقية باعتبارها موضوعا تجاوزه التاريخ، ومفاد هذا الدرس أن التاريخ يُصنع ولا يُستعاد، وأن التقدم رهن بالمستقبل، والتخلف بالماضي!

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  سامر خير أحمد   جريدة الغد