لا توجد أزمة اقتصادية مركبة من حولنا مثل أزمة البطالة التي تشارك في صناعتها وتضخيمها أطراف كثيرة، تبدأ من الفرد، وتمر بالأسرة النمطية في تفكيرها وإنفاقها، وتتصاعد مع سياسات الدولة التي عمقت من مظاهر التشغيل الشكلية، عبر توسيع حجم القطاع العام، بينما نهج الخصخصة يؤدي إلى تسريح العاملين.
أقول أزمة مركبة، وتؤكد الأرقام الصادرة عن منظمة العمل الدولية هذا التوصيف؛ فمن بين كل ثلاثة شباب أردنيين، ثمة شاب عاطل عن العمل. وهي نسبة مقلقة لصانع القرار الاقتصادي، وتهدد المجتمع والأجيال المقبلة ضمن ثنائية مزمنة، قوامها تخريج أكبر عدد ممكن لسوق صغيرة، ولا معالجات حقيقية لمسار التعليم، المستمر في ضخ أعداد هائلة من الخريجين بصرف النظر عن حاجة السوق الفعلية.
لماذا ينفق الآباء الغالي والنفيس لتعليم أبنائهم وبناتهم، بينما المنتج في النهاية يؤول إلى وظيفة غير واعدة، أو سبات مديد لأجيال شابة داخل البيوت؟ وما الجدوى من تخريج أكثر من أربعين ألف طالب وطالبة من الجامعات، ناهيك عن المعاهد والكليات التي تمنح الدبلوم، ومثلها الحالة بالنسبة لمن نجح في الثانوية العامة أو أخفق فيها؟ ولماذا الركون إلى شهادة تعلق على جدران غرف الضيوف، في ظل سوق تتطور وتستلزم عمالة من نوع خاص، ذات صلة بالتأهيل والتدريب والكفاءة العملية لا النظرية؟ ومن يرى في هذه التساؤلات غرابة، عليه أن ينظر إلى بيئة العمل من حولنا، ويرصد حجم العمالة غير الأردنية في مزارعنا، ومطاعمنا، ومخابزنا، وشركاتنا الإنشائية والعقارية وغيرها.
إذا كان عدد فرص العمل المطلوبة سنويا يقارب ستين ألف فرصة، فإن ثلثي هذه النسبة تشغل الوظائف، ولكن بشكل أقرب إلى العشوائي منه إلى المعياري والعلمي، فيما ينضم الثلث المتبقي إلى صفوف البطالة، وأكثرها خطرا بين الشباب ضمن الفئة العمرية 20-24 سنة، من المتعلمين الذين ينتظرون وظيفة وراتبا وفرصة عيش تؤهلهم لخوض غمار الحياة، قبل أن يتسلل إليهم الإحباط وهم يتحسرون.
وفي هذا السياق، تحاول الحكومة حاليا استدراك ما فات سابقاتها، عبر برنامج التشغيل، وسط جهد جديد يسعى إلى التجسير ما بين المؤسسات الاقتصادية وبين الباحثين عن فرصة عمل؛ ويحاول أن يسد فجوة الثلث المتبقي التي تتسع يوما بعد يوم. ومن خلال الطوابير التي تقف ببوابة المركز الثقافي، رأيت ملامح الجدية لدى الشباب بحثا عن فرصة في هذه الشركة أو تلك. ومن أكثر الأمور التي تلفت النظر هناك مضمون المقابلات، وطبيعة الأعمال المتاحة للشباب، ومنها العمل في محطات الوقود. ولا بد هنا من المقارنة؛ إذ إن الشاب الأردني، ومثله العربي، يخجل من العمل في محطة وقود في بلاده، ولكنه يقوم بذات العمل في بلدان الاغتراب. وهناك من أكمل دراساته العليا في الولايات المتحدة وكان مصدر الدخل الذي أنفق منه عمله في محطة وقود أو مطعم أو سوق تجارية. نحتاج فعلا إلى تغيير كامل في النظرة والتخطيط للعمالة المحلية، يبدأ من تأهيل الفرد، وينتقل إلى الأسرة ثم المجتمع، ويتبلور بشكل أكثر وضوحا في مؤسسات التعليم التي يجب أن ترفد بدورها مراكز تدريب وتأهيل تسعى إلى إنتاج عمالة مدربة وكفؤة، وصولا إلى سياسات حكومية تضع حدا لارتجال طال أمده وتعمق خطره. الدور الحقيقي لأرباب الأسر، وللدولة أيضا، يتركز في اكتشاف الطاقات الفعلية لأبنائهم، وتوجيهها بشكل صحيح نحو الانخراط في سوق عمل حقيقية لا افتراضية، وأن ننتهي إلى الأبد من تلقين الطفل وهو في سن أربع سنوات أنه سيصبح طبيبا أو مهندسا أو طيارا! فمن أين سنأتي بالعمالة لباقي قطاعات النشاط الاقتصادي؟
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد حسن احمد الشوبكي