لا تكفي برامج التشغيل والتدريب والتأهيل للتأسيس لواقع اقتصادي جديد، يسهم في حل مشكلة البطالة. ولا يكون مردود هذه الجهود التي تبذل من القطاعين العام والخاص جيدا إن كانت تتحرك في بيئة ليست مبنية على أسس الإصلاح القويم، وفق معايير واضحة للجميع. ومن المؤسف أن تسد الأبواب في وجه أي شاب يبحث عن فرصة عمل، ومن المؤذي أكثر أن "يسرق" شاب آخر فرصة غيره وحقه لمجرد وجود معرفة شخصية ومحسوبيات.
مسح العمالة والبطالة للعام الماضي كشف أرقاما مفزعة على صعيد سلوك الأفراد في الشأن الاقتصادي. والنسبة التي لا يمكن تجاهلها هي أن 58 % من المتعطلين يبحثون عن وسائل تواصل عبر الأهل والأصدقاء، والمسؤولين الحاليين والسابقين، من أجل الحصول على وظيفة؛ وأن ربع هؤلاء المتعطلين، وفقا للمسح ذاته، يلجأون إلى تقديم طلبات في ديوان الخدمة المدنية.
في البحث عن جذور أزمة البطالة، فإن جانبا منها تحقق بسبب غياب المعيارية، وعدم اختيار الشخص المناسب في الفرصة المناسبة، إضافة إلى ضعف حضور مفهوم العدالة شكلا ومضمونا. ومن غير الطبيعي أن يكون حل مشكلة أحدهم عبر تكريس مزيد من الظلم والتهميش لآخرين! وضمن هذا النسق غير العادل، يظهر جليا أن ثقة الفرد بالمؤسسات الاقتصادية وبالمجتمع أيضا، تتضاءل حتى يتسلل الإحباط إلى فئات واسعة ممن لم تجد فرصة بعد، أو أن فرصتهم في التأسيس لحياتهم قد سرقت.
وبموجب النسبة السابقة، فإن المحسوبية والواسطة مستشريتان في واقعنا الاقتصادي. وفي المقابل، لا ينفك المسؤولون ومدراء الشركات والمتنفذون عموما يتحدثون عن الوصول إلى مجتمع العدل والمساواة. وتكاد قاعات الفنادق تضج بهذا الحديث في الندوات والمؤتمرات، بينما التطبيق على أرض الواقع مخالف لكل الأفكار المثالية التي ينطق بها المسؤول.
وضع الأردن ضمن تقرير منظمة العمل الدولية الأخير سيئ على صعيد البطالة؛ فنحن في موقع مقلق عربيا وإقليميا، كما عالميا. والأدوات التي يلجأ إليها طالب الوظيفة، ومثله مؤسسات الدولة بقطاعيها، ليست على صلة بالنزاهة أو الوضوح، ولا تتم تحت ضوء الشمس؛ بل هي أقرب إلى العتمة والعلاقات الضيقة التي تقدم من لا يستحق، وتسهم فعليا في نقل ملف الحاصل على فرصة بالواسطة من قائمة البطالة إلى قائمة أكثر خطورة، هي الموظف المترهل والكسول و"المسنود"، والذي لا يصغي لأحد.
وإذا أمعنا النظر في أسماء المعينين في شركات كبرى، وأخرى ظهرت حديثا خلال العقد الماضي، فسنجد أن حصة الأسد تحولت إلى أبناء المتنفذين والمسؤولين. وهذا الأمر خضع للتدقيق من قبل هيئة مكافحة الفساد التي رصدت عددا من الشركات التي تعثرت أو طالتها شبهات الفساد، وكانت هناك أسماء عديدة فيها لنواب سابقين ووزراء وحتى رؤساء وزراء ومدراء بنوك وشركات كبرى؛ ما يعني أن لجوء المسؤول إلى الواسطة والمحسوبية مسألة مصلحية بحتة؛ فقد جاء هو إلى الكرسي بالواسطة، وعين ابنه بالواسطة، ومن مصلحته أيضا أن يوسع هذا النهج بتعيين آخرين، ولكن برواتب أدنى، فالكعكة له وفتاتها للآخرين من ذوي القربى أو الأصدقاء.
لا يستقيم الحال والمجتمع ما يزال يؤمن بالواسطة والتحايل على الشروط والمعايير في التعيين. وإذا نظرنا جديا إلى أسباب تشوه البناء الاقتصادي في بلادنا، فسنجد أن الظلم وانعدام النزاهة والتحايل على القانون والمحسوبيات هي أخطرها، ولا إصلاح حقيقيا بدون حسم الأمر بخصوص تلك التشوهات.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد حسن احمد الشوبكي