لا أعلم لماذا لا تتعلم الحكومات من دروس الاحتجاجات التي انهمرت عليها في العامين الأخيرين طلبا لتحسين الاوضاع الاقتصادية او حفاظا على حقوق وظيفية مكتسبة؟
مشهد يتكرر، يبدأ من قرار حكومي يتخذه في العادة وزير او امين عام ثم يعقبه تجاهل للحقوق المالية والعلاوات للموظفين ويمر بمرحلة النداءات والتلويح بالاحتجاج ثم يصل الى اغلاق الابواب والنوافذ فيلجأ المتضررون الى الشارع بحثا عن افق للحل، وهكذا تتصاعد الازمة وتأخذ بعدا امنيا، رغم انها مسألة اقتصادية بامتياز كان بالامكان تدارك تداعياتها لو اصغى احدهما للاخر.
الممرضون بدأوا اضرابا يوم امس الاثنين تحت عنوان كبير اسمه "تجاهل حقوق منتسبي مهنة التمريض من قبل الحكومة". وثمة تهديدات بالتوقف عن العمل وهنا مصدر القلق فمهنة التمريض ضرورية وحاجة المرضى اليها ماسة وتوقف هذه المهنة يعني شللا وخسارات كبيرة ستمس قطاع الصحة في البلاد. ورغم ان نقابة الممرضين شددت على ضرورة التعامل مع الحالات الطارئة المتعلقة بانقاذ حياة المرضى الا ان الاضراب ومن ورائه التوقف عن العمل – ان تحقق – سيصيبان نشاطا انسانيا واقتصاديا حيويا وسط انعدام البدائل في المستشفيات والمراكز الطبية.
وليس بعيدا عن حال الممرضين التي لا تسر، فثمة اعتصام مفتوح بدأ يوم الخميس الماضي امام وزارة البلديات احتجاجا على قرار وزير الشؤون البلدية ماهر ابو السمن وقف الامتيازات والمكافات وبدل التنقلات. المحتجون يطالبون الوزير بالتراجع عن تلك القرارات في ظل الواقع الاقتصادي الصعب الذي يجدون صعوبة في التكيف معه، وبحسب مشاركين في الاعتصام فإن الوزير رفض استقبالهم والحوار معهم عن شكواهم، هم سيواصلون الاحتجاج كما يقولون. ويبدو أن سياسة الابواب الموصدة هي المسيطرة على مشهد العمل العام، ففي اضراب الممرضين حديث كبير عن تجاهل الحكومة لامتيازات التمريض، ولدى مهندسين وموظفين في وزارة البلديات حديث اكثر وضوحا عن عدم اصغاء المسؤول لشكواهم وضياع حقوقهم المالية. المحتجون من الممرضين يبحثون عن اعادة العلاوة الفنية الى 120 % من الراتب الاساسي ومنح علاوة بدل التفرغ – العلاوة البديلة للعمل الاضافي - بنسبة 35 % وصرف علاوات بدل التنقلات وزيادة الحوافز وتصحيح اوضاع الممرضين في الجانبين الاداري والمالي، أما موظفو البلديات فيتطلعون الى مساواتهم مع موظفي الوزارات الاخرى وتعديل رواتبهم كما حدث مع موظفي امانة عمان، اضافة الى تثبيت الموظفين المنتدبين وموظفي العقود والمطالبة الشهرية على كادر الوزارة.
كان مأمولا من الهيكلة التي نفذتها الحكومة السابقة ان تضع حدا للتباين الواضح بين موظف وآخر او بين مؤسسة تحظى بالامتيازات وأخرى لا تعرف الامتيازات طريقا الى جيوب موظفيها، وبعيدا عن هذه المطالب التي هي محقة في جلها، قد يقول قائل ان كلفتها على خزينة الدولة ستكون كبيرة وهذا صحيح، لكن اغلب تلك الحقوق كانت بحوزة الموظفين وانتزعت منهم، وهو ما يجعل الامر اكثر تعقيدا. وفي ظل هذه الازمات التي تتراكم بسبب انقطاع الحوار بين المسؤول الذي يذهب الى اغلاق الابواب وبين موظفين يتطلعون الى حقوق مالية مصانة، تكبر كرة الثلج حتى تتحول الاحتجاجات الى مصادمات بين المدراء ومرؤوسيهم وصولا الى احتقان قد يتحول الى ملف امني وهو بالاساس شأن اقتصادي كان يحتاج الى قدر اكبر من الذكاء والقدرة على الاقناع والتفاوض وصولا الى افضل الصيغ بين الطرفين.
كثيرة هي الازمات الاقتصادية التي كانت صنيعة مسؤولين أدمنوا تجاهل مطالب الموظفين واضاعوا حقوقهم، وبدل البكائيات التي يقوم بها المسؤول لحظة انفجار الازمة بباب وزارته، وتكراره لحديث المصلحة الوطنية العليا، كان حريا به تجنيب اقتصاد البلاد وأمنها أي تداعيات سلبية في قطاعات حيوية ذات صلة بالاستثمار وسمعة الاقتصاد وصحة الناس.
حسن احمد الشوبكي
المراجع
ammanxchange.com
التصانيف
صحافة حسن احمد الشوبكي العلوم الاجتماعية الآداب