ما رشح من انتقادات بعض النواب للجولة الأولى من مشاورات تشكيل حكومة د. عبدالله النسور لا يدعو للطمأنينة، لاسيما فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي. فبرغم عبارات العلاقات العامة التي يدلي بها الرئيس المكلف عقب كل لقاء، يؤكد نواب أن البرنامج الاقتصادي النوعي (بتفاصيله وأدواته ومدته الزمنية) الذي تتعطش له البلاد، يبدو غائبا؛ وأن معايير وأسماء تشكيلة الفريق الاقتصادي لا تختلف عن سابقاتها في حكومات خلت.
في ظني أن نجاح الحكومة المقبلة سيكون مرهونا بمدى قدرتها على إحداث فرق، ولو بسيط، في الحياة الاقتصادية. وبغياب البرنامج والأدوات الاقتصادية الجديدة، سنكون أمام جملة تحديات تجعل الثقة في الحكومة ضمن حدودها الدنيا. وليس حاسما بالنسبة للرئيس المكلف أن يحظى بثقة مجلس النواب وحده، فالأمر أكثر تعقيدا؛ إذ إن الشارع يتطلع إلى تغيير حقيقي في آليات إدارة الموارد، بحثا عن عقد جديد في علاقة الحكومة بالشعب بجانبها الاقتصادي.
لماذا غاب البرنامج الاقتصادي عن لقاءات المشاورات؟ ولماذا لم يقدم الرئيس المكلف أسماء جديدة، وفي موازاة ذلك، ما الذي يبرر إعادة إنتاج أسماء جربت سابقا -كما تشير التسريبات- ولم تحقق فرقا بشأن تحسين مستوى المعيشة، كما لم تبدع حلولا خلاقة لإنقاذ البلاد من أزمات الخزينة والموازنة المتراكمة، وهل يكفي أن يصف النسور حكومته المرتقبة بأنها ستكون نظيفة وطاهرة؟
أسئلة مشروعة، وهي ملامح حديث يشغل الرأي العام، ولا تجد إجابات حاسمة أو منطقية. وما يقلق في المسار هو أن عددا من الأسماء في فرق اقتصادية حكومية سابقة كانت إما دائمة التأييد بكلمة النعم، أو تسعى إلى إدامة الوضع القائم حتى لو تفاقم وأصبح خطرا يمس المواطنين وجمهور المستهلكين، أو أنها أسماء تعبر عن أفكار ليبرالية لا تصلح في الحالة الأردنية، أو أخرى محافظة تسببت في تكريس تبعية اقتصادية، وقيدت الاقتصاد بأدوات وأعباء ليس أقلها المديونية الثقيلة؛ فلماذا، إذن، يعود هؤلاء؟ وما المأمول منهم بعد أن جربوا؟
صحيح أن النسور لا يملك مفاتيح المستقبل، وليست لديه حلول سحرية لواقعنا الصعب؛ لكن الضرورات الراهنة تقتضي أن تتناقش النخبة السياسية والاقتصادية فيما بينها بكل جرأة على أساس منهجي، يبدأ بالتشخيص الصحيح، ويمر على تداعيات الأزمة، وصولا إلى البحث المستمر عن إجابات لأسئلة الفقر والبطالة وعجز الموازنة وتراكم المديونية، لا أن تقيس الحكومات كفاءتها عبر قدرتها أو عدم قدرتها على اتخاذ قرارات رفع الأسعار فقط. فالحكمة في الإدارة تقتضي إدامة الجهد الذكي لتخليص الأردنيين من شبح الغلاء الذي يلاحقهم، ومسلسل رفع الأسعار الذي أتى على كل قدراتهم للتكيف مع واقعهم المعيشي. لا أعتقد أن الحكومات التي قامت بترحيل الأزمات كانت قد نفذت ما كان ينبغي أن تفعله لمواجهة الأزمات الاقتصادية.
نحتاج طريقا اقتصادية جديدة، وأدوات أخرى غير أدوات التجريب الماضية. وإنقاذ الاقتصاد لا يكون بالسعي الحثيث إلى "بقاء الوضع على ما هو عليه"؛ وحتى في هذه فشلت الحكومات.
الأسماء التي تسربت بخصوص الفريق الاقتصادي هي اجترار لتاريخ مضى. وعمق أزمتنا الاقتصادية يستحق جهدا أكبر، ومحاولات أكثر فطنة لدرء مخاطر الاقتصاد المستقبلية، وتمكين الأردنيين من التكيف مع واقع معيشي متدحرج وإقليم مضطرب. ولعل الرئيس النسور يعرف أكثر من غيره حجم العامل الاقتصادي في التأثير على سلوك الأردنيين وردات فعلهم؛ وقد كانت الاحتجاجات التي حدثت في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي اختبارا قاسيا له وللدولة ومواطنيها، تحت عنوان كبير هو "رفع أسعار المشتقات النفطية".

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   حسن احمد الشوبكي